جاء في “الجريدة الكويتية”:
وجد لبنان نفسه أمام خطر تحوّل «الحرب المضبوطة» المستمرة منذ أكتوبر الماضي، و«الحرب الإلكترونية» التي شهدها في اليومين الأخيرين، إلى هجوم تصعيدي متدحرج متعدد الأشكال، هددت به إسرائيل في حال لم يوافق «حزب الله» على تسوية دبلوماسية.
وكشفت مصادر دبلوماسية في بيروت، لـ «الجريدة»، أن تل أبيب طلبت من الأطراف المعنية إبلاغ رسالة إلى لبنان بأنها ستعطي مهلة بضعة أيام لقبول الحزب الخيار الدبلوماسي، ووقف إطلاق النار على الحدود، وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، وتطبيق القرار 1701 بشكل كامل والتراجع إلى شمال نهر الليطاني عبر سحب الأسلحة الثقيلة وتقديم ضمانات بتوفير ظروف العودة الآمنة لسكان المستوطنات الشمالية، وإلا فإن التصعيد سيكون حتمياً.
وفي كلمة متلفزة، دان الأمين العام للحزب حسن نصرالله، أمس، تفجيرات يومَي الثلاثاء والأربعاء التي شملت أجهزة اتصال الحزب، ووصفها بأنها «إعلان حرب»، مشدداً على أن الحزب لن يوقف جبهة إسناد غزة.
وحذر نصرالله إسرائيل بأنها لن تتمكن من إعادة سكان الشمال حتى لو شنت حرباً شاملة، مهدداً بتحويل أي محاولة لإقامة حزام أمني في جنوب لبنان إلى «جهنم».
وقالت مصادر سياسية إن نصرالله اختار بهذا الخطاب عدم التصعيد مقابل إسرائيل التي كانت تستدرجه إلى معركة أوسع، لكنه في المقابل يخاطر بأن تعتبر إسرائيل موقفه دعوة لشن مزيد من الضربات الموجعة.
وعلقت مصادر في القدس على خطاب نصرالله بأن «مفاجآت إضافية قادمة تنتظر الحزب وأمينه العام».
وصادق رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي، أمس، على خطط للجبهة الشمالية، وذلك غداة تلويحه بـ «العديد من القدرات» التي لم تستخدمها تل أبيب.
وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إن إسرائيل تحتاج إلى أسابيع قبل أن يكون بمقدورها شن هجوم كبير على لبنان. ونقلت عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تقديراتهم بأنها قد تشن عملية برية أصغر حجماً وبسرعة أكبر دون تحريك قوات كبيرة.
وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن واشنطن وضعت خططاً لإجلاء أميركيين من لبنان، مشيرة إلى أن إحدى الخطط تتضمن إجلاء نحو 50 ألف مواطن أميركي ومقيم وعائلاتهم إلى قبرص.
وأكد مصدر في مكتب الرئيس الإيراني أنه خلال الاجتماع الذي خصص لبحث التطورات في لبنان، خصوصاً بعد إصابة السفير الإيراني لدى بيروت مجتبى أماني في انفجارات يوم الثلاثاء، اتفق جميع الحاضرين على أن إسرائيل قامت بهذه الهجمات لاستدراج حزب الله إلى رد قوي يعطيها ذريعة لإطلاق عملية واسعة في لبنان، أملاً في أن تضطر الولايات المتحدة لدعمها.
غير أن خلافاً قوياً اندلع بين قادة الحرس الذين اتهموا الفريق السياسي للحكومة بأن تبنيهم سياسة إلغاء أو تأجيل الرد على اغتيال زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران، هو الذي شجع إسرائيل على التمادي ضد «حزب الله».
وبحسب الحرس الثوري، فإنه حتى لو تفادى الحزب الرد فإن إسرائيل ستبادر إلى حرب واسعة ضده إن عاجلاً أو آجلاً، وبالتالي يجب أن تكون المبادرة بيد محور المقاومة لشن هجوم كبير على إسرائيل يجبر واشنطن على التحرك.
في المقابل، فإن بزشكيان ومستشاره للشؤون الاستراتيجية محمد جواد ظريف ووزير خارجيته عباس عراقجي كانوا مصرين على أنه يجب انتظار نتيجة المفاوضات الدائرة خلف الكواليس بين إيران والولايات المتحدة ولربما يمكن التوصل إلى صيغة تفاهم بين الجانبين لحل دبلوماسي يحفظ نفوذ إيران والحزب بدلاً من المخاطرة بفقدان كل شيء في حرب لا يمكن لأحد تصور شكلها.
وأضاف المصدر أن فريق بزشكيان طلب من الحرس الثوري التريث، حتى يزور بزشكيان نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ويجري لقاءات مع مسؤولين أوروبيين حول سبل وقف الحرب.
وأشار إلى أن الحرس حذر بزشكيان من الوقوع في فخ فريقه للسياسات الخارجية، متهماً ظريف وعراقجي بالتناغم مع واشنطن.
وبحسب المصدر، أنهى بزشكيان الجدل بالطلب من قادة الحرس الثوري الاستماع إلى كلمة الأمين العام للحزب حول الهجمات، مؤكداً أنه يدعم موقف نصرالله أياً كان.
وفي تفاصيل الخبر:
ارتفعت حصيلة قتلى «الحرب الإلكترونية» التي شنتها اسرائيل في يومين متتالين ضد «حزب الله» في لبنان، إلى 37 قتيلاً وأكثر من 4 آلاف جريح، وسط ترقب لرد محتمل من الحزب، في حين نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية عن مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تقديراتهم بأن إسرائيل قد تقوم بعملية برية سريعة في لبنان من دون تحريك قوات كبيرة.
وأشارت الصحيفة الاميركية الى أن واشنطن وضعت خططا لإجلاء أميركيين من لبنان، مشيرة إلى أن إحدى الخطط تتضمن إجلاء نحو 50 ألف مواطن أميركي ومقيم وعائلاتهم إلى قبرص.
وأفادت صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية نقلا عن مصادر مطلعة، بأنّ «القيادة السياسية صدّقت على عمليات لإعادة سكان شمال إسرائيل إلى منازلهم»، لافتة إلى أنّ «هناك حالة استنفار قصوى متواصلة لدى أجهزة الأمن وقيادة المنطقة الشمالية في إسرائيل».
وكانت «القناة 12» الإسرائيلية، ذكرت امس الأول، أنّ مجلس الوزراء فوّض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت «اتخاذ الإجراءات الدفاعية والهجومية ضد حزب الله».
وقال غالانت أمس الاول، إن الحرب، التي تشنها إسرائيل في غزة منذ أكتوبر، دخلت مرحلة جديدة مع تحول التركيز الآن إلى منطقة الحدود الشمالية مع لبنان، مضيفا أنه يتم حاليا إرسال مزيد من الوحدات العسكرية والموارد إلى الحدود الشمالية.
وبحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن القوات التي يتم نشرها على الحدود تشمل الفرقة 98، وهي نخبة تقاتل في غزة تضم عناصر من القوات الخاصة وقوات المظلات.
من ناحيته، علق رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي على الهجمات التي استهدفت اتصالات «حزب الله» قائلا: «لا يزال لدينا العديد من القدرات، وفي كل مرحلة نعمل فيها نكون بالفعل متقدمين بمرحلتين. في كل مرحلة يجب أن يكون الثمن في حزب الله مرتفعا».
وقال الجيش الإسرائيلي امس إن طائراته ومدفعيته قصفتا عدة أهداف في جنوب لبنان، في حين ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن عددا من المدنيين الإسرائيليين أصيبوا بنيران صواريخ مضادة للدبابات اطلقت من لبنان.
حصيلة متصاعدة
وفي بيروت، أعلن وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض «ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الإسرائيلي في اليومين الماضيين إلى 37 شهيدا و2931 جريحا»، الا أن مصادر منفصلة توقعت عددا أكبر من الضحايا. وكان «حزب الله» نعى 25 من عناصره، كل عنصر منهم على حدة.
وعلى خلفية موجتي التفجيرات التي أصابت أجهزة اتصالات من نوعي «بيجر» ولاسلكي «آيكوم V 82» يومي الثلاثاء والأربعاء في مناطق عدة في ضاحية بيروت الجنوبية وجنوب وشرق لبنان، أعلنت المديرية العامة للطيران المدني في لبنان أمس، حظر نقل أي جهاز من نوعي «بيجر» أو لاسلكي «ووكي توكي» على متن رحلات شركات الطيران العاملة بمطار رفيق الحريري الدولي حتى إشعار آخر.
وحذر التعميم من أنه «ستتم مصادرة تلك الأجهزة من الوحدات الأمنية المختصة في المطار» في حال عدم الالتزام بذلك.
تحذير تركي
واتهم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أمس إسرائيل «بتوسيع الحرب إلى لبنان» بعد حوادث التفجير، مضيفا أن «التصعيد في المنطقة مثير للقلق. وصلنا إلى نقطة التي (…) ليس أمام إيران وحزب الله والعناصر المقربة منهما سوى الرد». وحذّر الوزير التركي، الذي زار عمّان أمس الأول، من أن «الأردن لا ينوي لزوم الصمت في مواجهة الأمر الواقع الإسرائيلي الذي يثير القلق أيضا». وقدّر أن «هناك خطر نشوب حرب تشمل الأردن ومصر والمنطقة بأكملها»، داعياً المجتمع الدولي إلى «وضع حد لها قبل فوات الأوان».
لغز الانفجارات
إلى ذلك، لا يزال لغز العملية الاسرائيلية التي اثارت مخاوف دولية من تحول الأجهزة الالكترونية الى أسلحة يتكشف عن مفاجآت تزيد تعقيد اللغز.
وقال جهاز الأمن في بلغاريا امس، إنه سيحقق مع شركة مرتبطة ببيع أجهزة «البيجر» لـ «حزب الله»، في حين ذكرت وكالة أمن الدولة البلغارية في بيان، أنها تعمل مع وزارة الداخلية للتحقيق في دور شركة مسجلة في الدولة، دون تسميتها.
وتقول تقارير إعلامية بلغارية إن شركة «نورتا غلوبال المحدودة» ومقرها صوفيا سهّلت بيع أجهزة البيجر.
وأظهر تحليل أجرته «رويترز» لصور لأجهزة بيجر مدمرة، أن تصميمها يتوافق مع أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تصنعها شركة «غولد أبولو» التايوانية، التي قالت إن الأجهزة صنعتها شركة «بي.إيه.سي كونسلتنغ» ومقرها بودابست، لكن المجر نفت أن يكون قد تم تصنيع اي اجهزة على أراضيها.
لكن موقع تيليكس المجري الإخباري، قال، إن نورتا سهّلت البيع بالفعل، نقلا عن مصادر. وقالت وكالة أمن الدولة إنها لم ترصد أي شحنات من أجهزة البيجر المشتبه فيها على الأراضي البلغارية.
وكشفت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، أن بي.إيه.سي للاستشارات هي شركة وهمية أنشأها الموساد الإسرائيلي بهدف تصدير أجهزة البيجر إلى «حزب الله» بعد زرع المتفجرات فيها.
وكانت الرئيسة التنفيذية للشركة المجرية كريستيانا بارسوني-أرسيدياكونو، نفت في مقابلة هاتفية مع شبكة إن بي سي الأميركية، أن يكون لها دخل في التصنيع. وقالت: «لا أُصنّع أجهزة النداء. أنا مجرّد وسيط. أنتم مخطئون».
وتشير تحليلات نيويورك تايمز الى أن «بي.إيه.سي كونسلتنغ» كانت جزءا من واجهة إسرائيلية، وفقا لثلاثة ضباط استخبارات مطلعين على العملية، وقالوا إن شركتين وهميتين أخريين على الأقل تم إنشاؤهما أيضا لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة البيجر وكلهم ضباط استخبارات إسرائيليون.
وبحسب الصحيفة تعاملت شركة «بي.إيه.سي كونسلتنغ» مع عملاء عاديين، وأنتجت لهم مجموعة من أجهزة البيجر العادية، مضيفة أن شحن أجهزة النداء إلى لبنان بدأ في صيف عام 2022 بأعداد صغيرة، لكن الإنتاج تم تكثيفه بسرعة بعد ذلك. وعلى مدار الصيف، زادت شحنات أجهزة البيجر إلى لبنان، حيث وصلت الآلاف منها إلى البلاد وتم توزيعها بين ضباط «حزب الله» وحلفائهم، وفقا لمسؤولين استخباراتيين أميركيين.
من ناحيتها، قالت شركة آيكوم اليابانية لتصنيع معدات الاتصال اللاسلكية، إنه لا يمكن تأكيد ما إذا كانت الشركة شحنت منتجا مرتبطا بالانفجارات التي وقعت في لبنان.
وأضافت الشركة أن البطاريات اللازمة لتشغيل الجهاز، الذي تم إيقاف مبيعاته منذ نحو 10 سنوات، تم إيقافها أيضا، لافتة إلى أن المنتجات التي تصدرها إلى الخارج تخضع لعملية تنظيمية صارمة، وضعتها الحكومة اليابانية.
الحزب يحقق
وذكرت قناة «ام تي في» اللبنانية أنّ «القوى الأمنية وحزب الله أوقفوا شقيقة مسؤول كبير في الحزب من بلدة حولا الشيعية الحدودية على خلفية العمالة لإسرائيل».
وذكرت قناة العربية السعودية، أن حزب الله أوقف عدة أشخاص للتحقيق معهم من بينهم شقيق مسؤول كبير بالحزب على خلفية تفجيرات الاتصالات. وكانت «الجريدة» كشفت امس الاول ان الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اوقفا العديد من الشخصيات التي يشتبه في تورطها بالاختراق الاسرائيلي خصوصا العاملين في شركة ايرانية ـ لبنانية استووردت الأجهزة.