حلّ الممثل السوري أيمن زيدان ضيفاً في بودكاست “عندي سؤال” الذي يقدمه الإعلامي محمد قيس على قناة “المشهد”. فتحدث عن مدى تعلقه بوالدته وأنه يتمنى الرحيل بين أحضانها وعن تأثير الفقدان في حياته مع رحيل ابنه نوار وشقيقه شادي وأمور عدة أخرى.
في بداية اللقاء طلب منه محمد قيس الاختيار بين اللونين الأبيض والأسود، فاختار أيمن زيدان اللون الأبيض. عندها سأله محمد قيس أي لون كان مهيمناً طيلة حياتك بسنواتك الـ68 أي لون كان طاغياً أكثر الأبيض أو الأسود؟ فقال أيمن زيدان: “كان في حياتي مراحل بيضاء كثيرة مرتبطة بالشغف وبعض النجاحات وكان فيها محطات سوداء غائرة بالقلب. وهي حالات الفقدان الموجعة التي مررت بها ولكنني أميل أن يكون اللون الأبيض هو الباقي كي نكمل الحياة ونستمر”.
أكبر النعم بالنسبة إليّ وجود أمي في الحياة
وعدّد أيمن زيدان أبرز النعم التي كان ممتناً لها في حياته فقال:” أكبر النعم بالنسبة إليّ وجود أمي في الحياة ودائماً هي الجدار الذي أتكأ عليه عندما يُلبسني الزمن عباءة وجع وإرهاق وتعب. ومن نعم الحياة أيضاً الصحة الحمد لله، والأحبة الحمد لله، والقدرة على الصبر والاحتمال وعلى تجاوز كل المحن التي مررت بها، والنعمة الأخيرة أن أحلامي ماتزال فتية. صحيح أن عمري 68 عاماً ولكنني حريص أن تبقى أحلامي فتية وألا تشيخ”.
وعما ينقص في حياة أيمن زيدان، قال:” ناقص بشكل رئيسي الإحساس بالأمان والخوف من الغد”. وعما لو بدأ يحس بعمره بخذلان الجسد قال:” لا شك أن هذا قانون طبيعي للأشياء عندما تتجاوز الـ 68 عاماً وتستعد لطرق أبواب الـ 70، بالتأكيد أن الجسد يكون أًنهك وتعب قليلاً وحتى الآن الحمد لله لم يحصل هذا الأمر، ولكن هذا شيء سيحدث لاحقاً”.
وعن العوارض التي يشعر بها المرء عندما يكبر ويشعر عندها أنه كبر بالفعل، قال:” لما تكون في العشرين تعتبر أن من يكون بالثلاثين كبيراً جداً وتخاف. وعندما تصل إلى الثلاثين تخاف من الأربعين وعندما تصل للأربعين تخاف من الخمسين وتصل للخمسين تخاف من الستين. وعندما تتجاوز منتصف الستين من العمر يصير لديك تمسك بالدفاع عن حلمك كي لا تشيخ.
أنا أقول دائماً إن المرحلة العمرية تتلخص بالشغف أي أن تحلم. فطالما لديك حلم، لديك في المقابل إمكانية أن تسير وتهزم كل العوائق سواء الجسدية أو النفسية التي من الممكن أن تصيبك.
السنوات ممكن أن تلخصها أنه كلما كبرت عاماً تكبر أجنحتك أكثر. بالتالي إمكانيتك بالتحليق تكون أكبر وترتفع لترى أشياء تعتقد أنها كانت كبيرة، ولكن عندما حلقت رأيتها صغيرة. فالخصام والحقد والكراهية والتوتر والثروة كل هذه المفردات التي كنت تراها أشياء كبيرة بسنوات الحكمة، تصبح تراها أشياء صغيرة جداً وتشعر أن الحياة أكبر من كل هذه الصغائر. فتجنح للسكينة وأن ليست كل المعارك جديرة أن تخوضها.
وعن عدد المعارك التي خسرها في الحياة أجاب أيمن زيدان:” خساراتي في الحياة لا يعنيني فيها سوى حالات الفقدان التي تعرضت لها لأحب الناس إلى قلبي سواء ابني أو أخي. أعتبر الرحيل الموجع أنه أكبر الخسائر في حياتي. وعما اعتاد برأيه الإنسان على فكرة الرحيل والموت؟ قال أيمن زيدان:” الإيمان فكرة مهمة بالامتحانات الحياتية. عندما تقتنع أن هؤلاء الأشخاص رحلوا تحاول أن تقنع نفسك أنهم رحلوا إلى مكان أفضل. وبالتالي أرواحهم صارت مطمئنة. الافتقاد له ألمه. وأتمنى لكل من يشاهدنا ألا يتعودوا على شعور الفقدان.إذ لا يمكن الحديث عن الفقدان بهذه البساطة. فالعملية ليست ميكانيكية. العملية موجعة وقد تنهش جزءًا من روحك وربما كل عالمك الداخلي يضطرب ولا تعود كما كنت من قبل أبداً”.
ويتابع أيمن زيدان قائلاً:” أحياناً يسألونني أو تردني تعليقات على السوشيال ميديا، مفادها لماذا تغيرت. وصرت مغموراً بالحزن؟ وأنا أقول الآن إن أمنياتي ألا يمتحن أحد معنى الفقدان. ساعتها سيكتشف كم أن ارتدادته موجعة. من أول فقدان في حياتي تغيرت المعادلة. وأول فقدان كان ابني الأصغر في العام 2011. عندها بدأت أفكر بمعنى آخر للحياة. الناس الغاليين عليك يسكنون روحك”.
وعما يذكّره بابنه الراحل نوار رحمه الله قال أيمن زيدان:” بعض التفاصيل التي تتقاطع معي أتذكر معها ضجيج خطواته عندما كان يأتي إلى المنزل وأتذكر محاولاته للأناقة المفرطة التي كانت “فاشلة”(مبتسماً بحنين لابنه) وعناده كعنادي في حلم ما. هناك أمور عدة كان يشبهني بها نوار. أتذكره بالأمكنة والزوايا والجغرافيا التي كان متواجداً بها.
وأضاف أيمن زيدان مستذكراً رحيل شقيقه الفنان شادي زيدان مضيفاً:” هذا الفقدان الذي اتحدث عنه ينطبق أيضاً على شقيقي الراحل شادي الأحب إلى قلبي والذي كان رفيق دربي لسنوات طويلة. وأشعر عندما أرى صوره أو أي مسلسل شارك به وكأني أشتم رائحة عطره عندما كان موجوداً بعد وصوت خطواته وأحاديثنا معاً.
الموبايل يوجع جداً لأن فيه الكثير من الرسائل الصوتية بيننا وأنا لا أجلد نفسي وأنا أسمعها وإنما أسمعها لأطمئن أنها مازالت موجودة بعد في الهاتف. طالما بقي صوته فهذا يعني أن روحه باقية وهو موجود بعد. حقيقية هذه الرسائل هي أكثر الأشياء إيلاماً. لا أستطيع محوها ولا أستطيع ألا أصغي لها من وقت لآخر. هذا بوح لا علاقة له بالنظريات إنما هو بوح وجداني أقوله ببساطة. ولا أسعى لا سمح الله لاستدرار عاطفة الآخرين. نحن أقوياء نهضنا من جديد وأرواح من نحب باقية. صدى خطواتهم باقية. وهناك استحالة بالتعود على الرحيل. وجع الفقدان يدمي القلب.
وعما لو كان يخشى من الموت، قال أيمن زيدان :” لا، كل ما يخيفني كيف أموت”؟ أمنيتي أن أرحل كالأشجار الواقفة وتكون نهايتي نهاية رجل منتصب القامة. جذوره ضاربة في الأرض كما الأشجار. “عا بالي” (أمنيتي) أن أرحل قبل والدتي وأنا متكىء على حضن والدتي. وليس على مسرح أو سينما ولا أي مكان آخر. بالنسبة لي أن أغفو بحضن والدتي الدافىء وأرحل بهذه اللحظة، هي لحظة مشتهاة بالنسبة لي أكثر من المسرح أو أي مكان آخر”.
ويخبر الفنان أيمن زيدان أنه ولد في ضيعة تبعد عن دمشق حوالى 45 كيلومتراً اسمها الرحيبة. وقال:”ولدت في غرفة جدي (والد والدتي) ولا تزال رائحتها عابقة بداخلي. كانت غرفة طينية على جدرانها رسوم بدائية وأرضها من الإسمنت المصقول، فيها رائحة الطين والتراب. عندما تفتحت للحياة فجر 1- 9- 1956 وحسب معلومات والدتي ولدت عند الساعة الرابعة والنصف فجراً، وأنا كنت الولد البكر ولدت “مبحبح” بحجم كبير قليلاً وبولادة شبه عسيرة وصعبة. جئت للحياة بعناد شديد. تفتحت صرختي الأولى في هذا المكان الطيني ثم عشت طفولتي بين الأزقة الطينية وكانت القرية فيها مساحة خضراء هائلة ثم عمل والدي حملني إلى المدينة.