كتب ناجي شربل وأحمد عز الدين في “الأنباء”:
ولادة الحكومة الأولى لعهد الرئيس جوزف عون برئاسة القاضي نواف سلام مرتقبة وغير بعيدة، رغم ارتفاع أصوات المعترضين وسقف المطالب لدى كتل وأحزاب سياسية واسعة.
وقال سلام بعد لقائه الرئيس عون في بعبدا: «أطمئنكم أنني أعمل على تأليف حكومة تكون على درجة عالية من الانسجام بين أعضائها وملتزمة مبدأ التضامن الوزاري.. أعمل على تشكيل حكومة إصلاح ولن أسمح بأن تحمل في داخلها إمكان تعطيل عملها بأي شكل من الأشكال. عملت بتأن وصبر وأواجه حسابات يصعب على البعض التخلي عنها أو يتقبل أسلوبا جديدا في مواجهتها».
وأكد سلام أن «المعايير التي يتبعها ضمان إضافي لاستقلالية عمل الحكومة ونزاهة الانتخابات المقبلة وحيادتها».
وأضاف: «أدرك تماما أهمية دور الأحزاب في الحياة السياسية، ولكنني في هذه المرحلة الدقيقة اخترت تغليب العمل الحكومي على التجاذبات السياسية».
ولفت الرئيس المكلف إلى أنه «يواجه حملات عدة ولكنه رغم كل ما قيل ويقال مستعد للدفع من رصيده الشخصي من أجل أن نصل معا إلى حكومة تضع لبنان على طريق الإصلاح وإعادة بناء الدولة وهذا همه الأول والأخير».
وبات واضحا أن الحكومة ستقوم على رافعة سياسية قوامها «الثنائي» أي حركة «أمل» و«حزب الله»، والحزب «التقدمي الاشتراكي»، وحزب «القوات اللبنانية»، وحزب «الكتائب»، و«تيار المردة»، إلى عدد من المستقلين ونواب التغيير، وضمنا «تيار المستقبل» الذي سيحظى بحقيبة الداخلية.
أبرز المعترضين «التيار الوطني الحر» كمكون مسيحي ووطني كبير، وبات عمليا خارج التشكيلة الحكومية، بعد توزيع رئيسها المقاعد الأساسية فيها على بقية الأفرقاء. وينتظر سلام الاتفاق النهائي مع «القوات» للتوجه إلى القصر الجمهوري في بعبدا، وعرض مسودته النهائية على رئيس الجمهورية، قبل توقيع الأخير مع سلام المرسوم الخاص بتأليف الحكومة بعد إطلاع رئيس المجلس النيابي نبيه بري عليها.
حكومة العهد الأولى ستباشر مهامها بعد مناقشة بيانها الوزاري في مجلس النواب ونيلها ثقة «وازنة» من قبل النواب في البرلمان، تمهيدا لبث الروح في المؤسسات الرسمية وتاليا الخاصة، حيث إن ولادة الحكومة ستنعكس إيجابا على مرافق عدة في مختلف القطاعات، لما لتشكيل الحكومة من تكريس للاستقرار بعد حرب مدمرة عرفتها البلاد، وبلغت ذروتها بعد توسيع إسرائيل عملياتها العسكرية اعتبارا من 20 سبتمبر الماضي، واستمرار جيشها في هدم القرى الحدودية وتقويض معالم الحياة فيها، بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار ودخوله حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الماضي.
ومع انتظار العد التنازلي النهائي والوشيك لصدور المراسيم الخاصة بتأليف الحكومة، نشطت الاتصالات بين الأفرقاء والرئيس المكلف، ودخل رئيس الجمهورية على الخط ببذل مساع لتقريب وجهات النظر، مع تشديده على الوقوف على مسافة واحدة من الجميع، واحترام الأصول والقوانين التي ترعى تأليف الحكومة. في حين اختار أفرقاء آخرون، بينهم رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل التوجه إلى الرئيس المكلف عبر الاعلام، وكذلك النائب البيروتي نبيل بدر وحزب «الطاشناق» الأرمني.
وبين قبول جراء نيل الأفرقاء المعنيين مطالبهم الحكومية، واعتراض من آخرين بداعي عدم اعتماد معايير موحدة في التأليف ومراعاة الأحجام، ستبصر الحكومة النور، لتباشر مهام مكثفة وغير عادية تنتظرها، وفق ما أشار إليه النائب جبران باسيل نفسه، من دقة مرحلة تتطلب حضورا حكوميا لمواكبة تطورات، ليس أقلها وأسرعها لجهة المواعيد الداهمة، الانسحاب الإسرائيلي الشامل من القرى والبلدات الحدودية المحدد في 18 فبراير الماضي. وقد ارتفع في موازاة ذلك الكلام عن مطالب إسرائيلية ببقاء جيشها في نقاط عسكرية في الجانب اللبناني حدد بخمس، وهي مرتفعات وتلال استراتيجية، ترى فيها إسرائيل تأمين حماية لمستوطناتها في الضفة الثانية من الحدود مع لبنان.
وفي سياق السعي لتأمين الانسحاب الإسرائيلي ووقف الخروقات والاعتداءات في القرى والبلدات الحدودية المحتلة، استقبل رئيس الجمهورية العماد جوزف عون في قصر بعبدا أمس السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو ونائب رئيس لجنة مراقبة وقف النار الجنرال الفرنسي غيوم بونشان والملحق العسكري الفرنسي في بيروت الكولونيل برونو كونستانتان.
وطلب الرئيس عون دعم فرنسا لموقف لبنان الداعي إلى الانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة، والضغط عليها (إسرائيل) لوقف انتهاكاتها لاتفاق 27 تشرين الثاني 2024، لا سيما لجهة استمرارها في تدمير المباني ودور العبادة في القرى الجنوبية المحاذية للحدود. كما طلب الرئيس عون من الجانب الفرنسي الضغط لتنفيذ الاتفاق بإطلاق الأسرى اللبنانيين ضمن المهلة المحددة في 18 شباط الجاري.
وفي الشأن الحكومي، قال الرئيس عون خلال لقائه وفد جمعية «المقاصد الخيرية الإسلامية» في بيروت: «أنا على توافق وتشاور مستمر مع رئيس الحكومة المكلف، وسنصل إلى صيغة حكومية تعتمد المعايير والمبادئ التي حددناها».
في المقابل، قالت مصادر مطلعة لـ «الأنباء»: «ليس في وارد أي فريق أو حزب أو كتلة نيابية الغياب عن حكومة العهد الأولى، خصوصا انه يعول عليها الكثير لبناء أسس جديدة للدولة، في ظل التطورات الإقليمية والإرادة الدولية بفتح صفحة تزيل كل تراكمات الماضي التي دفع لبنان ثمنها الكثير.. من جهته، فإن رئيس الجمهورية ومعه الرئيس المكلف نواف سلام لا يريدان إقصاء أي جهة عن الحكومة، بهدف مشاركة الجميع في عملية النهوض والبناء».
وترى المصـادر «أن التريث في إعلان التشكيلة الحكومية، هو لاستنفاذ كل محاولات التوفيق بين الأطراف جميعهم، ولا توجد خشية مما يسمى الثلث المعطل، لأن الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح بمثل هذا الأمر.. ووضع سيف مصلت على الحكومة أصبح من الماضي ولا مكان له في هذه المرحلة».
هذه المواقف لا ترتبط بالوضع الحكومي فحسب، بل أيضا تطول الوضع الجنوبي، لجهة اقتراب المهلة المحددة للانسحاب الاسرائيلي من كامل الأراضي اللبنانية في 18 شباط. وأي تمديد آخر أو عدم انسحاب إسرائيلي كامل سيفتح الوضع الجنوبي على احتمالات عدة.