بعد الحملات التي استهدفت نائب رئيس الحكومة طارق متري ووزير الثقافة غسان سلامة، أصبح الدور الآن على وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، التي تتعرض لحملة شرسة تستهدف شخصها ونهجها الإصلاحي، وهو نهج يتجاوز المحاصصة التقليدية ويضع الكفاءة والاستحقاق في الصدارة.
اللافت في الحملة الحالية هو استخدام الغطاء الديني، في محاولة لإثارة البلبلة والفتنة، والمشكلة الأعمق تكمن في أن أصحاب الحملة ضد الوزيرة السيد هم نفسهم الذين استفادوا سابقًا من شبكات الفساد في وزارة الشؤون الاجتماعية. سنوات من الفوضى والتخبط في إدارة الوزارة أدت إلى نهب ممنهج لمواردها، والفاسدون الذين طالما استمتعوا بالامتيازات القديمة باتوا اليوم يقاومون الشفافية والتغيير.
فقد تقدم أحد المشايخ بمراجعة طعن لدى مجلس شورى الدولة اعتراضًا على تعيين وزيرة الشؤون الاجتماعية، مستندًا إلى اعتبارات طائفية تفتقر إلى الأسس القانونية الواضحة. هذه الخطوة، التي تبدو أقرب إلى محاولة للتجييش الطائفي منها إلى اعتراض دستوري سليم، تطرح تساؤلات حول دوافعها الحقيقية، فالميثاقية موجودة في الحكومة لأن هناك وزراء آخرين من السنّة. ثم إنّ الوزيرة التي هناك من يسعى للطعن بتوزيرها سنيّة.
من الناحية الدستورية، تمثيل الطوائف في الحكومات هو عرف وليس قانونًا، إذ لا يوجد نص صريح يحدد عدد الوزراء لكل طائفة. كما أن الوزيرة تمثل جميع اللبنانيين، وليس طائفتها فقط، مما يجعل هذا الجدل تصعيدًا غير مبرر يخفي وراءه صراعًا أوسع حول التوازنات السياسية داخل الحكومة.
جدارة وكفاءة
تتمتع السيد بخبرة تمتد لأكثر من 30 عامًا في مجال التنمية الاقتصادية، حيث شغلت مناصب قيادية في البنك الدولي، قادت خلالها مبادرات استراتيجية بارزة، وبرامج إصلاحية، وحوارات سياساتية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشرق آسيا، وجنوب آسيا، وأوروبا.
بعد مغادرتها البنك الدولي عام 2023، انضمت إلى مركز مالكوم إتش. كير كارنيغي للشرق الأوسط كباحثة أولى، حيث ركزت على ملفات الحماية الاجتماعية، والعمل والتوظيف، والتعليم، والفقر، والمساواة بين الجنسين، إضافة إلى قضايا الهشاشة والنزاعات.
تحمل السيد شهادات أكاديمية مرموقة في الاقتصاد، حيث نالت درجتي البكالوريوس والدراسات العليا من جامعتي ستانفورد وكولومبيا، كما خضعت لتدريب تنفيذي في جامعة هارفارد. إلى جانب ذلك، قامت بالتدريس في عدد من الجامعات في نيويورك، وعملت سابقًا في مورغان ستانلي، ومعهد الكويت للأبحاث العلمية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.
كما شغلت عضوية مجلس إدارة مؤسسة LIFE، إلى جانب مشاركتها في مجالس إدارة عدة منظمات غير ربحية تعمل على الحفاظ على رأس المال البشري في لبنان.
بناءً على ذلك، فإن ما يجري ليس إلا محاولة لشدّ العصب الطائفي من قبل المتضررين من حكومة نواف سلام التي تعتمد معايير الجدارة والكفاءة بدلاً من المحاصصة. وهؤلاء المحرّضون يتناسون أن التاريخ اللبناني سبق أن شهد حالات مماثلة، مثل فوز الرئيس الراحل سليم الحص بالمقعد النيابي السني في بيروت رغم تغيير مذهبه (للتمكن من توريث بنته بوقتها)، حيث اعتبر حينها ان الانتماء الطائفي انتماء اجتماعي وليس بحسب التسجيل في السجلات. مع التشديد أنّ هذا الأمر محصور بالنيابة إذ إنه لا يوجد مقاعد وزارية مخصصة لطوائف بعينها.
فهل هذا الهجوم يعكس حقًا غيرة على مصلحة البلاد، أم أنه مجرد محاولة لإعادة ترتيب الأوراق واستعادة الهيمنة على مفاصل الدولة؟ من الواضح أن الوزراء الذين يواجهون هذه الهجمات يمثلون فرصة حقيقية لإصلاح النظام، وهو ما لا يروق لأولئك الذين لا يزالون يعيشون في ظل الفساد والمحسوبيات.