جاء في “الراي الكويتية”:
بين «الخماسية» العربية – الدولية التي تحوّلت بمثابة «الناظم» السياسي للواقع اللبناني منذ مرحلة الشغور الرئاسي إلى ما بعدها، و«الخماسية» الدولية – الأممية – اللبنانية – الاسرائيلية التي تُعتبر «الناظر» الفني والعسكري لتطبيقِ مندرجاتِ اتفاق وقف النار (27 تشرين الثاني) الذي علّق «حرب لبنان الثالثة»، ارتسم في بيروت مسارٌ متوازٍ قديم – جديد يثبّت الارتباط الضمني والمعلَن لكل مَسار النهوضِ من تحت الأنقاض وضمانِ حلٍّ مستدامٍ لجبهة الجنوب بالتزاماتٍ تقع غالبيتها على عاتق «بلاد الأرز» التي لن يكون ممكناً لها الخروج من دائرة «المخاطر الدائمة» إلا بـ «حبْل نجاة» طرفه الأوّل إصلاحيّ والثاني سيادي.
ففي غمرة انشداد العالم، إلى المملكة العربية السعودية التي يَتَكَرّس دورها كقاطرةٍ للسلام العالمي، وإلى سورية الجديدة التي تتلمّس طريقها، بين التناقضات الداخلية والاقليمية والدولية، لتطويق ذيول أحداث الساحل وإزالة سواتر الانقسامات ورْفع الأسوار حول خريطتها لتحصينها من أي مخططات تقسيم، وصولاً إلى عودةِ الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، استعيدتْ حركةُ «الخماسيتين» في ما بدا محاولةً لـ «تذكير» لبنان بأنّ عليه أن يقوم بما عليه كي لا تسير «عقارب ساعته» عكس اتجاه المتغيرات الجيو – السياسية في المنطقة أو تتوقّف عند ما آل إليه استحقاق الانتخابات الرئاسية بانتخاب العماد جوزف عون وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام.
وجاءت تحرُّك اللجنة الخماسية التي تضمّ ممثّلين لكل من الولايات المتحدة، السعودية، فرنسا، مصر وقطر، والتي زار سفراؤها أمس، رئيس البرلمان نبيه بري، بعد أسبوعين من نيل حكومة سلام ثقة البرلمان واستعدادها لبدء ورشة تعيينات عسكرية وأمنية، يُرجَّح أن تكون طلائعُها في جلسة مجلس الوزراء غداً، بتعيين العميد الركن رودولف هيكل قائداً للجيش، وربما بتّ مناصب المدير العام للأمن العام وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة (بحال أُنجز التوافق عليهما)، تُستكمل بالتعيينات الإدارية وفق آليةٍ يُراد أن تراعي الشفافية والكفاءة، بالتوازي مع مباشرتها إعداد خطة إعادة الإعمار وحاجاتها، ومتابعتها الشق السيادي من بيانها الوزاري الذي التزمت فيه بحصر السلاح بيد الدولة وأن يكون قرار الحرب والسلم في يدها لوحدها وتنفيذ كامل القرار 1701.
وفيما أعلن السفير المصري علاء موسى بعد لقاء «الخماسيّة» مع بري «أن الاجتماع جاء مثمراً حيث تمحور الجزءُ الأكبر منه حول الجنوب اللبناني، مع التركيز على العمل الجدي لتسريع عملية انسحاب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان (…) واللقاء كان فرصة جيدة لبحث التحديات المقبلة وخطوات الحكومة حسب ما ورد في خطاب القسم والبيان الوزاري»، فإنّ كل المؤشراتِ تدلّ على أن الخارج لم يبدّل موقفه من «التوازي» في اتفاق وقف النار الذي ينصّ على التزامات متبادلة بين لبنان واسرائيل التي تحوّل احتلالها لخمس تلال على الحدود الجنوبية لـ «بلاد الأرز» وإقامتها منطقة عازلة في محيط هذه التلال بمثابة ورقة ضغط على بيروت لنزْع سلاح «حزب الله» كشرطٍ للانسحاب، وربما لبلوغ تطبيعٍ في شكل أو آخَر.
ولم يَعُد أحد في لبنان يشكّك في أن أي كلامٍ عن وضْعِ جبهة الجنوب عسكرياً والانسحابِ الاسرائيلي يوازيه حُكْماً ملفٌ ملحَق هو إعادة الإعمار، وكلها عناوين باتت بحُكْم «السلة الواحدة»، ما يجعل لبنان أمام تحدياتِ الوفاء بالتزاماته ونزْع الذرائع من اسرائيل التي تستمرّ بتنفيذ اتفاق وقف النار «بيدها» ووفق تفسيرها، وهي أغارت أمس على سيارة في وادي نهر الزهراني بين دير الزهراني ورومين (الجنوب) مستهدفة مسؤولاً في وحدة الدفاع الجوي في «حزب الله».
ولم يكن عابراً أن يحصل لقاء سفراء «الخماسية» مع بري قبيل اجتماع اللجنة الخماسية المكلفة متابعة تطبيق وقف النار وتنفيذ القرار 1701 والتي تضم ضباطاً يمثلون الولايات المتحدة، فرنسا، الأمم المتحدة، لبنان واسرائيل في الناقورة، والذي بحث في موضوع التلال الخمس ومجمل الواقع المتصل باتفاق 27 نوفمبر وموجباته وإمكان أن تفرج تل ابيب عن عدد من الأسرى المدنيين اللبنانيين.
وسبق ذلك اجتماعُ عون مع رئيس اللجنة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز، وطلب منه «الضغط على إسرائيل لتطبيق الاتفاق والانسحاب من التلال الخمس وإعادة الأسرى اللبنانيين».
… التعيينات الأمنية
في موازاة ذلك، يتم التعاطي مع ملف التعيينات ولا سيما الأمنية على أنها من أبرز معايير خروج لبنان من تحت تأثيرِ نفوذ «حزب الله» الذي أصيب بندوبٍ كبيرة جراء الحرب والتحوّلات الاقليمية، وخصوصاً سقوط نظام بشار الأسد، ولكنه يعاند التسليمَ بالوقائع الجديدة، ويتمسّك بسلاحه شمال الليطاني وبـ «المقاومة الدفاعية»، ويرفض أيّ «اقتطاعاتٍ» من نفوذه في السلطة والإدارة – وهو ما شكّل أحد أدوات «تمكينه» الداخلي إلى جانب السلاح و«وهجه» – أو «قطع الاوكسيجين» المالي عنه لإمساكه من «اليد التي تؤلمه» في ملف الإعمار وتسهيل ربْط هذه العملية بشرط إنهاء وضعيته العسكرية خارج الدولة.
من هنا تجري معاينة دقيقة لِما ستخلص اليه التعيينات الأمنية ولا سيما في منصب المدير العام للأمن العام (سيتولاه شيعي)، والذي استوجب قبل أيام حصول لقاء في قصر بعبدا بين عون وبري، وسط معطيات تحدثت عن مرونة من رئيس البرلمان في ما خص اسم العميد مرشد الحاج سليمان الذي أصرّ عليه وفضّل رئيس الجمهورية أن يتم اعتماد اسم آخر مكانه، مع تقدُّمٍ لأسهم العميد حسن شقير والتداول ايضاً باسم العميد خطّار ناصر الدين.
وفي ما خصّ التعيينات الادارية، وفي الوقت الذي تتحدث المعطيات عن توافق بين بري وعون وسلام على ضرورة ان تُعتمد فيها الآلية المتفَق عليها بين وزارة التنمية الإدارية ومجلس الخدمة المدنية لتعيين أصحاب الكفاءة بعيداُ عن المحاصصة، أكد نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري «أن تعيين حاكم للمصرف المركزي لن يتأخر أكثر من أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وهناك أسماء كثيرة مرشحة لهذا المنصب»، معلناً أن «الحكومة تعتمد في التعيينات على الملاءمة والجدارة، ولا نية لأحد بإقصاء أي مكون لبناني عن المشاركة في التعيينات»، وموضحاً أن «الحديث عن أن جهات خارجية تقصي أسماء معينة، وفقاً لولائها السياسي، مبالغات لبنانية».
تفعيل التحقيق بانفجار المرفأ
ولم تَحجب هذه العناوين التطور البارز الذي شكّله إنهاءُ المدعي العام التمييزي القاضي جمال الحجار قرار سلفه القاضي غسان عويدات الذي اتخذه قبل أكثر من عامين وأوقف بموجبه التعامل مع المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وتَسَلُّم المذكرات والاستنابات التي تصدر عنه، ما يعني عملياً معاودة تفعيل التحقيق في هذه القضية مع المُدّعى عليهم، وبينهم رئيس حكومة سابق (حسان دياب) وزراء سابقون وسياسيون وقادة أمنيون، وذلك بعدما كان عَلِقَ في «شِباك» السياسة وعشرات دعاوى المخاصمة ضد البيطار، وصولاً إلى إدعائه على عويدات وردّ الأخير بادعاء مضاد على الأول بجرم “انتحال صفة محقق عدلي واغتصاب سلطة”.
ويسود ترقب للمسار الذي سيسلكه هذا الملف، الذي يتعاطى معه الخارج أيضاً على أنه من مقاييس الإصلاح القضائي والمحاسبة على ما وُضع في ميزان أقوى الانفجارات غير النووية في كل العصور، وهل سيعود البيطار لإصدار مذكرات التوقيف الوجاهية بحق مَن سيحقق معهم في الأسابيع القليلة المقبلة من مسؤولين كبار سياسيين وأمنيين.