كتب طوني كرم في “نداء الوطن”:
تحوّل جديد في انتظام مرفق العدالة بدأ يُظهر بوضوح حجم الفساد الذي نخر جسد المؤسسات الحكومية في العهود الماضية. وبعد أن كشفت «نداء الوطن» التحايل على القوانين في صفقة «مكننة الخدمات الإلكترونية» المشبوهة في وزارة العدل، أتى تقرير هيئة الشراء العام ليكشف فساد الفريق الاستشاري لوزير العدل السابق، القاضي هنري الخوري، ومن خلاله جزءاً من نهج سياسي سابق اتّبع للتستر على الفساد وتغطيته بغية تحقيق مصالح ضيقة.
وفي متابعة خاصة لمجريات «المشروع»، علمت «نداء الوطن» أن وزارة العدل قد تبلّغت تقرير هيئة الشراء العام قبل أيام، فأكّد التقرير «أنّ إجراءات التلزيم لم تجرَ وفقاً للأصول، وبالتالي تُعتبر مخالفة لأحكام القانون الرقم 244 بتاريخ 19 تموز 2021، ولا سيما المواد 3 و41 و42 و49 حتى 55 و109 و110 و112. ويقتضي بالتالي وقف هذا المشروع وإلغاءه في حال التعاقد عليه، تطبيقاً للقانون». كما دعت الهيئة إلى «إعادة النظر في المشروع من الناحية الأمنية والتقنية، وتلزيمه وفق الأصول عند الاقتضاء بشفافية ومنافسة وعلنية كاملة»
يعرّي قرار هيئة الشراء العام إدعاءات وزراء العهد السابق وقضاة مكافحة الفساد «غبّ الطلب»، ويشرّع الطريق أمام الوزراء الجدد للتدقيق في ارتكابات أعوان أسلافهم من مستشارين وحتى «وزراء – قضاة»، وإحالتهم إلى المحاكمة.
ويشكل تقرير الهيئة محطة أولية في تصويب مشروع المكننة. ويعود لوزارة العدل الالتزام بقرار الهيئة ووقف المشروع أو بروتوكول التعاون بين صندوق تعاضد القضاة و»شركة لبنان للتجارة والصناعة»CIEL، وإعادة النظر فيه وتلزيمه وفق الأصول التي ذكرها المرسوم 4168/1993 المرتبط بـ «إنشاء مركز المعلوماتية القضائية والقانونية في وزارة العدل»؛ أو التغاضي عن القرار في حال ارتأت رفض اختصاص «الهيئة» بالمشروع المطروح؛ الأمر الذي قد ينقل التضارب في المواقف إلى مجلس شورى الدولة للبتّ في المسألة.
يكشف مطلعون عن دور منتظر لوزير العدل عادل نصار في حال قرر مجاراة العهد الجديد والحكومة في التزام مكافحة الفساد تماشياً مع مطالب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون والبيان الوزاري، ولن يكون هذا الدور بعيداً عن اتخاذ قرار بإحالة القضاة المنتفعين من هذا المشروع والسماسرة إلى التحقيق ليكونوا عبرة لغيرهم، خصوصاً وأن تحايلهم قد تم في وزارة «وصية» على تحقيق العدالة وتطبيق القوانين في لبنان.
وسيكون على الوزير نصار، مكاشفة الرأي العام والمعنيين بما آل إليه مشروع التحوّل الرقمي ومكننة محاكم لبنان والخطوات التي ينوي القيام بها لتأمين هذه الخدمة الإصلاحية وفقاً للقانون، وتقديمها إلى أصحاب المصلحة من محامين ومتقاضين.
وعُلِم أن الوزير نصار، ومنذ دخوله إلى الوزارة، لم يجارِ مستشاري سلفه في تعهداتهم وتلزيماتهم، بل طلب التروي إلى حين الانتهاء من دراسة ملفات العدلية، والتوقف عند رأي المعنيين، في العديد من المسائل الشائكة المطروحة، وليس أقلها رأي هيئة الشراء العام في مشروع تلزيم مكننة الخدمات الإلكترونية في قصور العدل، في خطوة جريئة منه لعدم تكريس تجاوز وزراء العدل للقانون، وجعل الوزارة مثالاً يُحتذى به.