جاء في “الراي الكويتية”:
باللغة المَحْكِيّة اللبنانية، اختار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كَشْفَ أنه سيستقبل نظيره اللبناني العماد جوزف عون في باريس في 28 آذار الجاري، مؤكداً التزام بلاده «الباقي والقوي تجاه لبنان لدعمه في نهوضه ولحماية سيادته».
وجاء هذا الإعلان في منشورٍ على منصة «إكس» تناول فيه الرئيس ماكرون مضمون اتصالٍ أجراه الجمعة برئيس الوزراء اللبناني نواف سلام، إذ قال «هالمسا، باتصال هاتفي، حبيت هنّي رئيس الحكومة نواف سلام على الجهود اللي عم يبذلها هو والحكومة لدعم وحدة، وأمن، واستقرار لبنان. تطرقنا لآفاق إعادة الإعمار والإصلاحات الضرورية له. هالشغل أساسي للبنان ولكل المنطقة. رح استقبل رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون بـ28 آذار بباريس».
وبدا شكلُ المنشور حمّالَ مَضامينَ بارزة، إذ إنها المرة الأولى التي يُكسر فيها «البروتوكول اللغوي» في ترجمةِ إعلانٍ ذات جوهر سياسي لرئيسٍ اعتُبرت مخاطبته اللبنانيين بكلامٍ وكأنه «بلا ربطة عنق» في إطار توجيه رسالةٍ إلى عمق الروابط العابرة لـ«قيود اللغة» التي تجمع باريس بلبنان وشعبه، هو الذي كان زار لبنان في 17 كانون الثاني الماضي بعد 8 أيام على انتخاب عون رئيساً للجمهورية، وأربعة أيام على تكليفِ سلام تشكيل الحكومة، في تطورين عَكَسا حجم التحولات في الموازين الداخلية كامتداد للمتغيرات الجيو – سياسية في الإقليم الذي يتشكّل من جديد في ضوء تداعيات «طوفان الأقصى» والنتائج الجارفة لـ«حرب لبنان الثالثة» التي كان من أبرز ارتداداتها انهيار نظام بشار الأسد في سورية.
وفي وقت يَسعى ماكرون لتوفير ظروف نجاح المؤتمر الدولي لإعادة إعمار لبنان الذي سبق أن أَعلن عنه من بيروت، وسط تقارير عن أن موفده الرئاسي جان – إيف لودريان سيُكلَّف مَهمة مساعدة بيروت في هذا الملف الذي تنكبّ حكومة سلام على وضع الخطط اللازمة له، فإنّ زيارة عون لباريس تكتسب دلالاتٍ بالغةَ الأهمية باعتبار أنها ستكون الإطلالة الدولية الأولى له بعدما اختار الرياض كفاتحة زياراته الخارجية (4 آذار) قبل أن ينتقل منها إلى القاهرة (حضر القمة الطارئة حول غزة) ويعلن التزام لبنان «بالشرعيتين العربية والدولية» وعودته «إلى العرب».
ويتم التعاطي مع الانخراطِ الفرنسي القوي في مواكبة «لبنان الجديد» على أنه في إطار استكمال الدورين اللذين تضطلع بهما، سياسياً وأمنياً: الأول من خلال «مجموعة الخمس حول لبنان» التي تضمّها إلى الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر ولعبت دوراً في إنهاء الشغور الرئاسي، والثاني عبر اللجنة الخماسية التي تتولى الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار بين لبنان وإسرائيل (27 تشرين الثاني) والقرار 1701 والتي يقودها جنرال أميركي وتضمّ ضباطاً من فرنسا والجيش اللبناني واليونيفيل والجيش الإسرائيلي.
كما أن باريس حاضرةٌ في الترتيبات التي يَجْري إعدادُها لإطلاق إطارٍ تَفاوُضي بين لبنان وإسرائيل عبر «مجموعات عمل دبلوماسية» ثلاثية أعلنت عنها واشنطن قبل أيام وتسعى لأن تباشر مهماتها الشهر المقبل لبحث 3 ملفات عالقة، وهي إطلاق اللبنانيين الذي أسرتهم تل أبيب خلال الحرب، واستكمال الانسحاب الإسرائيلي من التلال الخمس الحدودية التي بقيت تحت الاحتلال، وتسوية النقاط الخلافية الـ13 على الخط الأزرق (عالقة منذ تحرير 2000 وحرب 2006) بما يُفْضي إلى تثبيت الحدود.
الضغط التصاعدي
وارتسم في اليومين الماضييْن مناخٌ من الضغط التصاعُدي، السياسي الأميركي والميداني الإسرائيلي على لبنان الذي يتحفّظ على أي جرّ له إلى تفاوض «ديبلوماسي» يُعتبر «ارتقاءً» خارج المفاوضات غير المباشرة الفنية والتقنية والعسكرية، وخصوصاً في ضوء ما حمّلته تل أبيب لهذا المسار من أبعاد تتصل بالرغبة في بلوغِ تطبيعٍ مع بيروت قبل أن «تُفَرْمِل» الحديث عن هذا «الهدف النهائي».
وفي هذا السياق يمكن التوقف عند نقطتين:
– الأولى ما نقلتْه «العربية / الحدث»، أمس، عن مصادر مطلعة على النقاشات الأميركية – اللبنانية التي جرت خلال الأسابيع القليلة الماضية من أن «المسؤولين في البيت الأبيض وفي وزارة الخارجية أبلغوا الحكومة اللبنانية أن الرئيس دونالد ترامب يريد خلال وقت قصير جداً أن يرى نتائج»، مؤكدين أن «لا وقت لإضاعته ويجب أن تصل الأمور بين لبنان وإسرائيل إلى إنجازات يمكن الإعلان عنها في مهلة أسابيع».
أما «الأخطر» في هذه الرسائل التي تولّى نقلها مسؤولون أميركيون إلى الحكومة في بيروت، بحسب شخصيات اطّلعت عليها، فكان «إيصال تهديد واضح بأن ترامب سيسمح بتحركات إسرائيلية عسكرية واسعة في لبنان إن لم تصل الأمور إلى النتائج المطلوبة».
وبحسب التقرير، فإنّه وفي ضوء اعتبار لبنان أن الاجتماعات التي يُراد عقدها لا تعني «مفاوضات مباشرة بين لبنان وإسرائيل» ورغبته في إبقائها في إطار تطبيق القرار 1701 ووقف النار الأخير «قد تتخطى الولايات المتحدة هذه العقدة، من دون التخلي عن إصرارها على رؤية نتائج ملموسة من الحكومة اللبنانية. علماً أن هناك ثلاثة مطالب أميركية واضحة، ألا وهي منع أي تهريب أسلحة أو أموال عبر المرافئ والحدود إلى حزب الله، وتحقيق انتشار متين للجيش اللبناني في الجنوب، والبدء في القضاء على قدرات حزب الله العسكرية على الأراضي اللبنانية خلف نهر الليطاني».
– والثانية إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أنّ جيشه سيبقى في التلال الخمسة في جنوب لبنان «إلى أجَل غير مسمى» لحماية سكان الشمال.
واعتُبر كلام كاتس، والذي تَرافق مع ما نقلتْه «معاريف» عن أن «المفاوضات ستكون طويلة وحزب الله سيحاول تخريبها عن طريق عملياته العسكرية ومحاولاته التي لا تتوقف، لإعادة بناء مواقعه ومخازن الأسلحة التابعة له، وغيرها من العمليات التي تعدُّ خرقاً لاتفاق وقف النار»، مؤشراً إلى أن تل أبيب تتصلّب وترفع السقوف استباقاً لانطلاق المسار الجديد من التفاوض، أياً كان شكله، وصولاً لمضيّها في «المواكبة بالنار» بغاراتٍ على ما تزعم أنه مستودعات أسلحة لـ«حزب الله» أو ضدّ مَن تقول إنهم كوادر وقادة في الحزب، وهو ما كررته أمس، باستهداف سيارة في بلدة برج الملوك الحدودية سقط فيها شخصان.