جاء في “الراي الكويتية”:
حَبَسَتْ «بلاد الأرز» أنفاسَها، مع أخطرِ اهتزازٍ لاتفاق وقف النار مع اسرائيل التي شنّتْ أعتى موجةِ غاراتٍ منذ 27 نوفمبر بعد إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على مستوطنة المطلة، راسمةً بالنار معادلة ردعْ مزدوجة، نفّذتْ سريعاً «الوجهَ العاجِل» منها بالردِّ غير المتناسب والواسع النطاق على «الرسالة الصاروخية» التي بقيت «صوتية»، وأحدثتْ «رَبْطَ نزاعٍ» مع الشقّ الأكثر تفجُّراً منها والذي عبّر عنه وزير دفاعها يسرائيل كاتس بإعلانه «المطلة مقابل بيروت».
ومن فوق «الخطّ الرفيع» الذي كان اتفاقُ وَقْفِ النار ما زال مُعَلَّقاً عليه منذ إبرامه في ضوء انتهاكه المتكرّر والمتمادي من إسرائيل ومحاولة «حزب الله» التملص من مندرجاته «الأعمق» المتعلّقة بإنهاء وضعيته العسكرية خارج الدولة في كل لبنان، جاءت الصواريخُ الخمسة التي أطلقت أمس في اتجاه المطلة واعترض الجيش الإسرائيلي 3 منها وسقط الأخيران داخل الأراضي اللبنانية مدجَّجة بأبعاد بالغة الخطورة:
– في «أصل» الأهداف الكامنة وراء «الضغط على زرّها» في هذا التوقيت و«الإصبع» الذي «نفّذ المَهمة».
– كما في منسوب الردّ من تل أبيب «المتحفّزة» لـ «حرب الجبهات السبع» والتي وضعت «بلاد الأرز» سريعاً أمام أسوأ السيناريوات وتركتْها في حال «أعصاب مشدودة» بتأكيدها «ردّنا على إطلاق النار بمهاجمة عشرات المنصات الصاروخية ومقر قيادة عمل بداخله عناصر من حزب الله لم ينتهِ بعد، وستكون هناك هجمات أخرى خلال الساعات المقبلة».
ورغم إعلان الجيش اللبناني، العثور على 3 منصات صواريخ بدائية الصنع «في المنطقة الواقعة شمال نهر الليطاني بين بلدتَي كفرتبنيت وأرنون – النبطية، وعمل على تفكيكها»، ونفي «حزب الله» أي «علاقة لنا بإطلاق الصواريخ على الأراضي الفلسطينية، ونُجدّد تأكيد الالتزام باتفاق وقف النار والوقوف خلف الدولة اللبنانية في معالجة هذا التصعيد الصهيوني الخطير»، مشدداً على «أنّ ادعاءات العدو الإسرائيلي تأتي في سياق الذرائع لاستمرار اعتداءاته على لبنان»، فإنّ الاندفاعة اللاهبة وتوقيت «الرشقة» التي أريد لها أن تبقى على طريقة «الصواريخ الطائشة» أو «اللقيطة» بدا موْصولاً بمسرح عمليات ثلاثي البُعد:
– الضلع الأول فيه، يرتبط بـ «الكماشة» التي توشك أن تُطْبِق على إيران، التي باتت واقعياً محاصَرة بالنيران التي «تلتهم» أذرعها، وآخِرهم الحوثيون الذين فَتَحَ الرئيس دونالد ترامب «باب جهنّم» عليهم في طريقه الى تفاوض مع طهران حول النووي و«اخواته» (من برنامجها البالستي ونفوذها الاقليمي) يريده لتحقيق شروطه فإن لم يكن بالحرب فـ «بالقوة التي تمنع وقوع الحرب».
وفي الإطار ثمة مَن تخوّف أن يكون تحريكُ جبهة الجنوب من المقلب اللبناني – والذي أفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بانه «اختبارٌ لردود فعل تل أبيب من«حزب الله»خلال الهجوم الصاروخي الأخير» – على أنه في إطار محاولةٍ لـ «تشتيت قوة» اسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة في ظلّ مؤشراتٍ بات معها مصير النظام الإيراني على محكّ ضربةٍ عسكريةٍ «صارتْ على الطاولة» ووضعت الجمهورية الاسلامية أمام مفاضلة بين «رأسها والأذرع».
صفحة سلاح «حزب الله» طويت
– والضلع الثاني الموقف المتقدّم لرئيس الحكومة نواف سلام الذي قال مساء الجمعة عبر قناة «العربية» إن «صفحة سلاح حزب الله طويت بعد البيان الوزاري وشعار شعب جيش مقاومة أصبح من الماضي»، مشدداً على أن «البيان الوزاري ينص بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة والجميع ملتزمون بذلك، ولا أحد يعمل في اتجاه معاكس لحصر السلاح بيد الدولة».
وأعلن أن «على إسرائيل الانسحاب الكامل من الجنوب ونضغط عربياً ودولياً لذلك، والدولة وحدها هي المسؤولة عن تحرير الأراضي من إسرائيل»، ومؤكداً «الاستثمارات لن تأتي للبنان ما دام هناك سلاح خارج الدولة وهناك مسعى لاستعادة ثقة الدول العربية».
وشدد على الالتزام «بألا يكون لبنان ممراً أو منصة تؤثر على أمن دول الخليج».
– أما الضلع الثالث فهو الواقع الداخلي الاسرائيلي ومحاولات الضغط على تل ابيب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عبر تظهير أن مستوطنات الشمال «غير آمنة» مع ما يرتّبه ذلك من إرباكاتٍ لاسرائيل التي تواجه أزمات داخلية ربطاً بحرب غزة وملفاتٍ محلية.
رسالة «مقنّعة»!
وإذ تُبدي أوساط سياسية اقتناعاً بأن هذه «الأضلع الثلاثة» قد تكون «متورّطة» وحاضرة في «لوحة التحكّم» بالهجوم الصاروخي، فإنّها اعتبرت أن أخطر ما في الأمر أن اسرائيل «قفزت» فوق هوية المسؤول عن العملية واعتبرتْ أنه بصرف النظر عن الفاعل، فإن ما حصل رسالة «مقنّعة» من الحزب في ضوء صعوبة الاقتناع بأن فصيلاً فلسطينياً يقوم بمثل هذه الخطوة من دون مباركة الحزب، وصولاً إلى تحميلها «في كل الأحوال» الحكومة اللبنانية المسؤولية عن أي هجوم عبر أراضيها.
«المطلة مقابل بيروت»
وفي الوقت الذي كان وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس رسم معادلة «المطلة مقابل بيروت»، وسط اعتقادٍ أن ما أخّر «تفعيلها» هو موقفا الرئيس جوزف عون ونواف سلام اللذان «رفعا الغطاء» عملياً عما حصل انطلاقاً من الجنوب ومسارعة الجيش الى ضبط المنصّات التي أطلقت منها الصواريخ إلى جانب تشغيل «الهواتف الحمر» مع عواصم القرار الدولية والعربية، فإن الجولة الأولى من الردّ الاسرائيلي بعشرات الغارات على بلدات جنوبية وسقوط ما لا يقلّ عن 4 ضحايا وعدد آخر من الجرحى، والذي جاء في يوم السبت (عطلة دينية) عَكَسَ استعداد تل ابيب للذهاب «حتى النهاية» في مواجهة «حزب الله»، في ظل خشيةٍ من أن تستعيد لغة الحرب الضارية بهدف استدراجِ حلّ نهائي على الساخن وفق مرتكزات «اليوم التالي» التي صارت جاهزة سواء وفق مضامين اتفاق وقف النار أو المسار الدبلوماسي الذي تضغط واشنطن لشقه عبر مجموعات العمل الثلاثية وصولاً الى تطبيعٍ تحدّث عنه المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف باعتباره بات «احتمالاً حقيقياً».
وقبيل شنّ الغارات العنيفة، أعلن مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي أنّ «نتنياهو وكاتس أصدرا تعليمات للجيش بالرد بقوة وقصف عشرات الأهداف في لبنان» وأن«الحكومة اللبنانية مسؤولة عن كل ما يحدث على أراضيها».
وأكدت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنّه «لن نسمح بالحاق الأذى بمواطنينا وسيادتنا وسنلجأ لكل وسيلة لضمان أمن مواطنينا وبلداتنا في الشمال».
وبعد الموجة الأولى من الغارات وكانت أعنفها على بلدة تولين، أعلن الجيش الاسرائيلي «أن جيش الدفاع هاجم عشرات المنصات الصاروخية ومقر قيادة عمل بداخله عناصر من حزب الله في لبنان»، معتبراً أن «إطلاق القذائف الصاروخية صباح السبت نحو منصة إصبع الجليل خرق فاضح للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان وتهديد مباشر على مواطني دولة إسرائيل حيث تتحمل الدولة اللبنانية المسؤولية للحفاظ على الاتفاق وسيواصل جيش الدفاع العمل لحماية مواطني دولة إسرائيل».
في موازاة ذلك، أعلن رئيس مجلس المطلّة المحلي بدء إخلاء السكان عقب إطلاق الصواريخ من لبنان، مؤكداً «ان التهديد الأمني حقيقي وعودة السكان للبلدة في ظلّ الظروف الحالية أمر غير مقبول ويجب القضاء على حزب الله وهذا ما ينبغي أن نسعى إليه».
وفي المقلب اللبناني، رسم رئيس الجمهورية موقفاً بارزاً بإزاء ما يحصل إذ أعلن«إدانة محاولات استدراج لبنان مجدداً إلى دوامة العنف»، معتبراً«ان ما حصل اليوم في الجنوب، وما يستمر هناك منذ 18 شباط الماضي، من عدم التزام بحرفية اتفاق وقف النار، يشكل اعتداء متمادياً على لبنان وضرباً لمشروع انقاذه الذي أجمع عليه اللبنانيون».