كتبت رنى سعرتي في “نداء الوطن”:
بعد أن تبدّل مراراً وتكراراً خلسة وعلناً، عاد مشروع قانون إصلاح وضع المصارف إلى نسخته ما قبل الأخيرة، بعد معارضة أكثر من جهة التعديل الجوهري الذي أدخل عليه في 4 نيسان لجهة دخول القانون حيزّ التنفيذ لدى إقراراه، ليتراجع مجلس الوزراء عن هذه المادة في جلسة الثلثاء، ويؤكد أن القانون سيكون تنفيذه مربوطاً بإقرار قانون حلّ الفجوة المالية، على أن يناقش ويقرّ مجدداً خلال جلسة الحكومة يوم الجمعة.
لا بدّ من إقرار هذا القانون ولم يعد ممكناً تأجيله لأن إقراره، بالإضافة إلى قانون السرية المصرفية، مطلب ملحّ من قبل صندوق النقد الدولي وفي مهلة قصيرة لا تتعدى موعد اجتماعات الصندوق في واشنطن نهاية الأسبوع المقبل.
وبالتالي، لن تمرّ مسألة تطبيق قانون إصلاح المصارف فور إقراره، لأن ذلك سيخوّل الهيئة المصرفية العليا، النظر بملاءة المصارف حالياً، وتقرر على أساسها وقف المصارف التي لا تتمتع بتلك الملاءة عن العمل من دون أي خطة للتعافي تحدد مصير المودعين في تلك المصارف وكيفية ردّ ودائعهم. علماً أن القانون يعيد “دفترياً” ودائع المصارف لدى مصرف لبنان ولا يطالبها بردّ أيّ من الودائع حالياً قبل إقرار قانون الفجوة المالية، إلا أن ذلك لا يمنع بأن تظهر مصارف عديدة غير متمتّعة بالملاءة المالية المطلوبة “ولو دفترياً”، (مع الإشارة إلى أن معظم المصارف لن تستعيد ملاءتها المالية الحقيقية غير الدفترية إلا إذا استردّت فعلياً ودائعها لدى مصرف لبنان)، وبالتالي ستحكم الهيئة على تلك المصارف بالتوقف عن العمل أو إعادة الرسملة لتحقيق نسبة الملاءة المطلوبة. وهنا بيت القصيد.
حيث لن تجد إدارات المصارف، أي مساهم مغامر يقبل بضخ الأموال لإعادة رسملة المصرف، قبل ابتداع حلّ لأزمة الودائع، من خلال تحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر.
ورغم أن مصادر وزارة المالية تعتبر أن احتساب نسبة كفاية رأس المال لدى المصارف Capital adequacy ratio ونسبة الخسائر المتوقعة على موجودات المصارف لدى مصرف لبنان إن بنسبة 50 % أو 45 % او 75 %، ستؤدي إلى انعدام الأموال الخاصة للمصارف أي رساميلها، وبالتالي سيؤدي قانون إصلاح المصارف إلى إفلاسها، لذلك، ومن أجل الحفاظ على رساميل المصارف كما كانت في 17 تشرين الأوال 2019، نصّ القانون على اعتبار موجودات المصارف لدى مصرف لبنان كما هي “دفترياً”، لغاية صدور قانون حلّ الفجوة المالية، وبالتالي عدم احتساب الخسائر المحتملة للمصارف نتيجة فقدان ودائعها لدى البنك المركزي خلال عملية احتساب نسبة كفاية رأس المال، وإنما فقط، استثمارات المصارف بسندات اليوروبوندز أو شراء الليرات وغيرها من العمليات.
وبهذه الطريقة، اعتبرت المصادر أن من ستظهر ملاءته معدومة رغم احتساب موجوداته لدى مصرف لبنان كاملة، يكون قد أهدر أمواله في عمليات خارج إطار موجوداته لدى المركزي وعليه تحمّل تلك الخسائر وإعادة تكوين رأسماله، وإلا الانسحاب من السوق
هذا المنطق رفضته المصارف رفضاً قاطعاً معتبرة أنها مستعدّة لإعادة الرسملة عندما تتّضح الصورة وتوضع خطة وقانون لحلّ الفجوة المالية وتحديد كيفية تسديد الودائع، وليس قبل ذلك. هذا المنطق أقنع العدد الأكبر من الوزراء، خصوصاً أن تصفية أي مصرف قبل الحل الشامل، سيؤدي إلى ضياع حقوق مودعيه. كما سيعتبر ذلك بمثابة ضربة إضافية للاقتصاد الذي يحتاج إلى القطاع المصرفي في مسيرة إعادة التعافي والنمو السريع.
وأوضح وزير الاقتصاد الأسبق آلان حكيم في هذا الإطار، أنه من أجل تحميل المصارف أية مسؤولية، يجب أوّلاً تحديد تلك المسؤولية أي الفجوة المالية وكيفية التعامل معها، سائلاً: كيف يمكن تقييم وضع المصارف وقدرتها على تحمّل الأعباء المالية المتوجبة عليها إن لم يتم تحديد طريقة التعامل مع الفجوة المالية؟
وأشار حكيم إلى أن بعض المصارف يملك نسبة الملاءة المطلوبة عند احتساب موجوداته لدى مصرف لبنان وودائعه الموجودة، ولا يعاني من فجوة مالية، في حين أن البعض الآخر يملك فائضاً وهناك جزء آخر يعاني من فجوة، وبالتالي فإن الموضوع لا يتعلّق فقط بنسبة الملاءة بل بالسيولة الموجودة لدى المصارف، وأيضاً بعملية إعادة تقييم أصول المصارف التي تعتبر جزءاً مهمّا.
وبالتالي، اعتبر حكيم أنه من الضروري الربط بين القانونين الإصلاحيين أي إصلاح المصارف وحلّ الفجوة المالية، “مع الإشارة إلى أن الأمور أصبحت بديهية ولا تحتاج إلى مزيد من النقاش، والأهداف باتت معروفة وهي إعادة رسملة المصارف، إعادة هيكلة الدين العام، والأهمّ من ذلك استعادة الثقة بالقطاع المصرفي، علماً أن المصارف الضعيفة يمكن اللجوء لاحقاً إلى دمجها مع مؤسسات قويّة أو حصولها على دعم دولي من خلال خطوط ائتمان قد يؤمنها صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي أو من خلال تحويل الديون إلى أسهم…. وغيرها من الحلول التي يمكن التوصل إليها عند إقرار قانون الفجوة المالية.
وختم حكيم مشيراً إلى أن الطريقة الاعتباطية في التعاطي مع المصارف تشير ولو بطريقة غير معلنة، إلى توجّه لكسرها أو القضاء عليها من دون مراعاة أي منطق علمي. مؤكداً أن الحلول موجودة وكثيرة وبالتالي يجب الاتفاق والسير بسلّة قوانين إصلاحية تهدف إلى خفض المخاطر واستعادة الودائع لأنه من الواضح اليوم أن المطلوب من قبل المؤسسات الدولية هو الانطلاق بإصلاح القطاع المصرفي لأنه ركيزة الاقتصاد.