جاء في “القبس”:
أجواء تأهب وترقب ثقيل خيمت على لبنان، أمس، بعد تهديدات كيان الاحتلال برد قوي و«ثمن باهظ»، على الهجوم الصاروخي الذي أسفر عن مقتل 12 شخصاً في قرية مجدل شمس الدرزية في الجولان السوري المحتل، حيث صادق وزير الحرب يوآف غالانت على خطط عملياتية في جبهة لبنان. وفي وقت أكدت مصادر دبلوماسية أن الضربة على لبنان محسومة، تحدثت عن مساع أمريكية ودولية محمومة لتخفيف حدتها، بمعنى ألا تجر «حزب الله» إلى رد كبير في المقابل، وأن تكون محدودة في الحجم والمكان وتجنب المدن الكبيرة، بما فيها العاصمة بيروت.
وفي السياق، رأت صحيفة نيويورك تايمز أنّ التوقعات السائدة أن يكون رد كيان الاحتلال أكبر من المتوقع.
وإذ نقلت وكالة رويترز عن مصدرين أمنيّين أنّ «حزب الله» وضع قواته في حالة استنفار شديدة وأخلى بعض المواقع الرئيسية المهمة له في البقاع (شرق) وجنوبي لبنان، كشف وزير الخارجية عبدالله بوحبيب أنّ الولايات المتحدة طلبت من الحكومة اللبنانية كبح جماح «حزب الله»، لافتاً إلى أن أيّ حرب في لبنان ستنقلب إلى حرب إقليمية.
وفي سياق الترقب للتطورات العسكرية، أعلنت شركة طيران الشرق الأوسط اللبنانية، أمس، تأجيل انطلاق بعض الرحلات إلى مطار بيروت حتى صباح اليوم (الإثنين)، في خطوة احترازية في ظل التهديدات الراهنة.
وفيما يلي التفاصيل:
قبيل غروب شمس يوم السبت، سقط صاروخ على ملعب لكرة القدم في قرية مجدل شمس الدرزية في الجولان السوري المحتل والتي رفض كثيرون من اهلها الحصول على جنسية الاحتلال، حيث كان يلعب العشرات من الأطفال والمراهقين، وقُتل 12 شابًا تتراوح أعمارهم بين 10 و20 عامًا، وأصيب 20 آخرون، وفقًا لكيان الاحتلال.
هذا الحدث يبدو أنه كاف بقدر كبير لتستعد منطقة الشرق الأوسط لاحتمال اندلاع حرب شاملة مع كيان الاحتلال، اذ قال موقع «أكسيوس»، إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ من أن يؤدي هجوم الجولان إلى حرب شاملة بين الاحتلال وحزب الله وقد تنجر اليها ايران عبر حلفائها في العراق واليمن وسوريا، ونقل الموقع عن مسؤول أمريكي القول إن «ما حدث عصر السبت قد يكون السبب الذي شعرنا بالقلق بسببه وحاولنا تجنبه لمدة 10 أشهر»، اذ ان الخسائر المميتة التي خلفها الهجوم، وصغر سن الضحايا، ستشكل ذريعة للاحتلال إلى الرد بشكل أكثر صرامة.
وفي هذا السياق، اعتبر كيان الاحتلال ان هجوم مجدل شمس أعنف هجوم على المدنيين منذ هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة في 7 تشرين الاول، ويأتي في وقت حساس، إذ تتفاوض حكومة الاحتلال وحماس على اقتراح بوقف إطلاق النار لإنهاء الحرب المستمرة منذ عشرة أشهر.
في المقابل حذّرت إيران، أمس، كيان الاحتلال، من أي «مغامرات» عسكرية جديدة في لبنان مما قد يؤدي إلى «تداعيات غير متوقعة». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن «أي خطوة تنمّ عن جهل من كيان الاحتلال قد تؤدي إلى توسيع عدم الاستقرار وعدم الأمن والحرب في المنطقة»، مشدداً على أن تل ابيب ستتحمل مسؤولية «التداعيات غير المتوقعة وردود الفعل على تصرف أحمق كهذا».
وأعلن كيان الاحتلال أمس أنه رفع جهوزيته القتالية في الشمال وتوعد حزب الله «بدفع الثمن» ردا على هجوم مجدل شمس، وزار وزير الحرب يوآف غالانت القرية الدرزية في أعالي مرتفعات الجولان، وحمّل حزب الله مسؤولية ما جرى. وخلال زيارته موقعَ سقوط الصاروخ، قال غالانت إنه تم رفع الجهوزية إلى المستوى التالي للقتال، وتوعد برد قاس على حزب الله.
ورغم أن حزب الله نفى، في خطوة نادرة، مسؤوليته عن الهجوم، لكن رئيس اركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي قال إن ما تم إطلاقه كان صاروخ فلق برأس حربي يزن 53 كيلوغراماً، وهو ملك لحزب الله. كما قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن «كل المؤشرات تشير إلى أن الصواريخ أو الصاروخ أطلق من حزب الله»، زاعماً ان للاحتلال الحق في الدفاع عن نفسه، لكنه أضاف أن الولايات المتحدة لا تريد تصعيد الصراع. واتهم جيش الاحتلال القائد الميداني بحزب الله علي محمد يحيى بأنه «المسؤول» عن تنفيذ عملية إطلاق الصاروخ.
ميدانياً، شهدت أجواء لبنان تحليقاً كثيفاً للطيران الحربيّ للعدو، في ظل معلومات عن حالة تأهّب قصوى لـ«حزب الله» وإخلاء مواقع تابعة له في الجنوب والشرق، الأمر الذي ينبئ بتصعيد أمنيّ ميدانيّ بين ساعة وأخرى، خصوصاً أنّ بلينكن أعطى «الضوء الأخضر» الأمريكيّ بتأكيده حقّ الاحتلال في الدفاع عن مواطنيه.
وفي حين أعلنت لجنة الأمن القومي في الكنيسا فتح الملاجئ في الشمال، دعت عدة دول رعاياها إلى تجنب زيارة لبنان وأخذ الرعايا المقيمين الحيطة والحذر. وحضت كل من سفارات فرنسا والنرويج والدنمارك في بيروت رعاياها على مغادرة لبنان وكيان الاحتلال.
وصادق وزير الحرب يوآف غالانت على خطط عملياتية في جبهة لبنان. ورأت «نيويورك تايمز» أنّ التوقعات السائدة في أن يكون الرد أكبر من المتوقع. وفي ظل اجواء التأهب والترقب الثقيل، نقلت وسائل اعلام لبنانية عن مصادر دبلوماسية متابعة من واشنطن وبيروت أن الضربة على لبنان محسومة. وقالت المصادر: «العمل جار على أن تكون محدودة في الحجم والمكان وتجنب المدن الكبيرة حيث الاكتظاظ السكاني والمدنيين بما فيها بيروت بمعنى ألا تجر حزب الله الى رد كبير يفرض عليه».
كما ذكر مصدران أمنيّان لوكالة رويترز أنّ «حزب الله» في حالة استنفار شديدة وبادر الى إخلاء بعض المواقع المهمّة في جنوب لبنان وسهل البقاع.
وكشف وزير الخارجية عبدالله بو حبيب لـ «رويترز»، أنّ الولايات المتحدة طلبت من الحكومة اللبنانية كبح جماح «حزب الله»، كما أنّ لبنان طلب من الولايات المتحدة حثّ كيان الاحتلال على ضبط النفس في ظلّ التوتّر في الآونة الأخيرة.
وأشار إلى أنّ لبنان يُدين استهداف المدنيين في أيّ مكان، ولفت الى أن «أيّ حرب مع إسرائيل في لبنان ستنقلب إلى حرب إقليمية». لافتا إلى حاجة لتحقيق دوليّ لمعرفة حقيقة ما حصل في مجدل شمس.
في المقابل تسعى الدبلوماسية الأمريكية لنزع فتيل الحرب، وتواصل مسؤولون أمريكيون مع نظرائهم في تل ابيب وبيروت وتبادلوا رسائل مع إيران، بهدف تهدئة التوترات، وفقما أفاد به مسؤولون عرب وأوروبيون مطلعون على الأمر لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، وسط خشية من أن يؤدي التصعيد إلى تعطيل هذه المفاوضات المتعثرة، المقرر أن تستأنف هذا الأسبوع في روما بمشاركة مسؤولين كبار على رأسهم مدير وكالة (سي آي إيه) ويليام بيرنز، ورئيس (الموساد) دافيد برنيا، ورئيس الاستخبارات المصرية عباس كامل، ورئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
في المقابل، نفذ حزب الله أمس سلسلة عمليات ضد المستوطنات ومواقع جيش الاحتلال، واشار إلى استهدافه تموضعاً لقوات العدو في مُستعمرة شتولا ومحيطها حيث تمت إصابته بشكل مباشر.
وفي الجانب اللبناني، شن طيران جيش الاحتلال غارة على بلدة شيحين. وتعرضت بلدة ميس الجبل إلى قصف مدفعي.
فيما شارك الآلاف أمس (الأحد) في مراسم تشييع قتلى الضربة الصاروخية في مجدل شمس، حيث بدت عليهم علامات الحزن والتأثر، وتجمعت نسوة تدثرن بالعباءة السوداء ووشاح الرأس الأبيض التقليدي لدى الدروز، حول نعوش مغطاة بالأبيض، احتج سكان البلدة على توافد وزراء ومسؤولين بكيان الاحتلال على البلدة للمشاركة في تشييع قتلاهم، فيما هتف عدد منهم ضد وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش. حيث صرخ المحتجون الغاضبون بوجه سموتريتش وطالبوه بالرحيل. فيما صرخ أحد أهالي البلدة في وجه سموتريتش: «ارحل من هنا، يا مجرم، لا نريدك في الجولان».
فيما قال آخر: «نريد الهدوء ولم نحصل عليه. لقد سئمنا وعودكم». كما تعرض لأمر مشابه وزراء حزب الليكود بقيادة بنيامين نتانياهو، بمن فيهم وزراء حماية البيئة عيديت سيلمان، والاقتصاد نير بركات، والطاقة إيلي كوهين. فيما قال آخر «جئتم إلى هنا فقط للرقص على دماء أطفالنا».