كتبت نجوى أبي حيدر في “المركزية”:
عاجلا ام آجلاً، ستتوقف حرب غزة، وسيجلس المتخاصمون الى طاولة المفاوضات للاتفاق على تسوية شاملة بعد ان يتوقف اطلاق النار. قد لا تتم التسوية دفعة واحدة، وعلى الاغلب لن تكون كذلك، اذ تشير معطيات مستقاة من مداولات الصالونات السياسية والدبلوماسية الى العمل على حل ممرحل وعلى دفعات، بحسب تقدم المفاوضات ومرونة المفاوضين ، خصوصا اذا ما استمر اليميني المتشدد بنيامين نتنياهو على رأس الحكومة في اسرائيل، وقد لا يستمر.
ومع ان الحديث عن التسوية فيما المعارك على أشدّها والتهديدات بالحرب الشاملة في أعلى مستوى يبدو سابقا لأوانه، غير ان القوى السياسية المنخرطة في المعارك من غزة الى جنوب لبنان تدرك اتجاه رياح التطورات وتعد العدة لمرحلة التسوية. الفلسطينيون يعملون على توحيد الصف، وليس اعلان الرئيس محمود عباس منذ مدة امام البرلمان التركي عزمه على زيارة القطاع المحاصر سوى من هذا القبيل، وقد أعلنت الرئاسة الفلسطينية، يوم الأحد الماضي ، أنها ستتواصل مع حركة حماس والفصائل الأخرى لترتيب الزيارة. وحزب الله يعكف منذ مدة غير قصيرة على تنظيم ورش عمل تتصل بكيفية التعامل مع الواقع المستجد ورسم تصور سياسي جديد لليوم التالي ، بمشاركة كبار المسؤولين في الحزب ووزرائه ونوابه، وهي تكثفت بعد الاستهدافات الاخيرة للقيادات الفاعلة والمقربة من امينه العام حسن نصرالله وابرزها للرجل الثاني فؤاد شكر.
تقول أوساط سياسية معارضة ان خطوة اسرائيل الكامنة في اغتيال القيادات الفاعلة في الحزب التي يعتمد عليها نصرالله بقوة وشكلت ركائز اساسية في الجناح العسكري ، تستهدف كسر هالة “السيد” ، حتى حينما تدق ساعة المفاوضات الجدية بعد انتهاء المواجهات يفاوض من موقع ضعف لا فائض قوة، خصوصا ان جبهة الاشغال والاسناد انهكته عسكريا وشعبيا في ظل رفض شريحة واسعة من اللبنانيين لمواجهاته المفتوحة مع اسرائيل رغم “انف الدولة” ،وتململ واسع داخل بيئته الشيعية جراء الكمّ الهائل من الخراب والدمار الذي لحق بقرى الجنوب وبلدات الشريط الحدودي وقد سوي بعضها بالارض ، اضافة الى نوع من الفتور في العلاقات بين حزب الله وحركة امل، بات ملموساً من خلال موقف الحركة وجمهورها من الحزب ومن حرب المساندة وصولا الى الانتقادات العلنية، بعدما بقيت ضمن الجدران الاربعة لزمن طويل.
كل ذلك تؤكد الاوساط لـ”المركزية” يُمهد لدفع الحزب نحو التحول الى حزب سياسي والتخلي عن السلاح مع ابرام التسوية الكبرى في المنطقة وحل القضية الفلسطينية، بحيث تنتفي الحاجة الى اي مقاومة ، خصوصا مع عودة سير قطار التطبيع، متوقعة بدء الحل مع الاعلان عن الشرق الاوسط الجديد بعد الانتخابات الاميركية. وتضيف ان الحزب لن يعود الى ما كان عيله قبل حرب غزة، في ظل معطيات جديدة وموازين قوى متبدلة في المنطقة تفرضها ايضا مفاوضات ايران مع الغرب حول ملفها النووي وما ستتمخض عنه من اتفاق. ففي الشرق الاوسط الجديد لا سلاح خارج الشرعيات ولا تنظيمات ولا ميليشيات مسلحة تحت اي مسمى.
واذ تكشف الاوساط ان ملف حزب الله العسكري شارف على نهايته، يقول سياسي في 8 اذار قريب من حارة حريك لـ”المركزية” “ان الحزب بدأ يستعد للانتقال الى العمل السياسي والتخلي تدريجيا عن السلاح. على ان تبدأ المرحلة الانتقالية بعد هدنة غزة المعلنة او غير المعلنة لا فرق، ووقف العمليات العسكرية في الجنوب،وبدء تنفيذ القرار 1701 باشراف الموفد الاميركي اموس هوكشتاين المتوقعة عودته الى لبنان بعد الاتفاق حول غزة. وتشير الى ان الحزب سيعلن التزامه بالهدنة ضمن اي صيغة لتجنب حشر لبنان في الحرب وتحميله تداعياتها.
طريقة الرد الباهت على اغتيال فؤاد شكر، تؤكد انتقال الحزب من مرحلة المواجهة المفتوحة الى العقلانية والالتزام بالأوامر الايرانية القاضية بعدم التصعيد والانجرار الى حرب شاملة، لا بل اعداد العدة لمرحلة “اليوم التالي” بما تقتضيه مصالح طهران النووية، وصولا الى التسوية وفتح قنوات التواصل السياسي مع قوى الداخل اللبناني بمجملها لاعادة بناء العلاقات معها على اسس تتوافق وطبيعة المرحلة الجديدة، كما مع الدول العربية بحيث تستثمر في ما تقدمه راهنا من تنازلات في الميدان لإعادة مد جسور التواصل معها تحضيرا للمستقبل السياسي…بلا سلاح.