كتبت بولين فاضل في “الأنباء”:
كثير من التفاؤل بالخير على لبنان يرافق حلول شهر الخير، شهر رمضان. وعلى الرغم من خروج البلد حديثا من أتون الحرب الإسرائيلية وتذوق اللبنانيين مرها، إلا أن ثمة عادات وموروثات في الشهر الفضيل يأبى اللبناني أن يفارقها، ولو أن تكلفتها المادية باتت ثقيلة على جيبه.
من هذه الموروثات ما له علاقة بحلويات رمضان، والتي لها خصوصيات في بعض المدن والمناطق اللبنانية كتميز بيروت بالكلاج والداعوقية، وطرابلس بالمفروكة وحلاوة الجبن، وصيدا بالقطايف المقلية والمدلوقة.
وقال في هذا الصدد الباحث في التاريخ شارل الحايك لـ«الأنباء» إن «الحلويات العربية تدخل في تراث الطهي ولها في شهر رمضان مع أصناف أخرى من المأكولات بعدها الاجتماعي لكونها تلعب دورا محوريا في «الجمعة» والاحتفال، وهي جزء من الذاكرة المشتركة للعائلات اللبنانية».
وأكد أن «الحلويات التي تلقى لها حيزا هما على موائد اللبنانيين في شهر رمضان المبارك، لكونها سريعة التحضير ولذيذة الطعم وسعراتها الحرارية عالية لحاجة الصائمين اليها». ولفت إلى أن «القطر الذي تغمس به هو «اختراع» عربي يعود إلى الحقبة العباسية في القرن العاشر، وهي الفترة الزمنية التي شهدت ظهور أو صنع الكلاج والقطايف والعوامات المعروفة أيضا تحت اسم لقيمات القاضي».
وبحسب الحايك، فإن «القطايف في الزمن الغابر كانت نوعا ما حلويات النخبة. وثمة وصفات للقطايف كانت مخصصة للخلفاء العباسيين وموثقة ومدونة في كتب الطبخ العائدة إلى القرن العاشر، وقد استمرت هذه الوصفات حتى اليوم».
وأشار إلى أن «تسمية القطايف متأتية من فعل قطف لأن تناولها يتم قطعة قطعة، وتنطبق عليها القاعدة في التراث المطبخي الشرقي وبالأخص العربي، وهي محاكاة الحواس الخمس في كل صنف».
الشيف شادي زيتوني قال من جهته لـ«الأنباء» إن «الحلويات العربية لها خمس ميزات، أولها العناصر الغذائية لاحتوائها خصوصا الفواكه الزيتية من فستق حلبي وجوز ولوز، وثانيها القرمشة التي لا نجدها في حلويات أخرى، وثالثها النكهات من خلال استعمال ماء الورد والزهر والمسكة والهال والقرفة، وهذا أمر غير موجود في المطابخ الأوروبية، لكن ربما يكون موجودا نوعا ما في بعض الأصناف من الحلويات الهندية».
وأضاف: «الميزة الرابعة هي الحشوات، إذ أين نجد في العالم حلويات محشوة مثل القشطة المطبوخة أو الحلويات المحشوة بالفستق أو الجوز أو التمر أو الخبز الذي يحوي الحلو كالكنافة؟ أما الميزة الخامسة والأخيرة، فهي القلي والقطر وهما عنصران لا نجدهما سوى في الحلويات العربية».
وعن حرص اللبنانيين على الحلويات العربية على مائدة الإفطار أو السحور على رغم الضائقة المادية، قال الشيف شادي إنه «بالرغم من غلاء الحلويات، إلا أن كل عائلة لبنانية ومهما كان وضعها المادي، تفرد ميزانية ولو خجولة للحلويات التي يجب أن تكون حاضرة يوميا، لأهمية الطاقة التي تعطيها وجعلها الصائم قادرا على الالتزام بصيامه حتى موعد الإفطار»، مضيفا إن «كمية الحلويات قد تكون قليلة على المائدة وموزعة على أيام الشهر الفضيل، كتناول الكلاج في اليوم الأول وحلاوة الجبن في اليوم الثاني والمفروكة في اليوم الثالث».
وأكد الشيف شادي أنه «يمكن استبدال شراء الحلويات العربية بتحضيرها في المنزل، لأن كثيرا منها سهل التحضير ومواده متوافرة في كل بيت وسعرها رخيص مثل الطحين والسميد وطحين الفرخة والسكر»، مضيفا إنه «يمكن لربة المنزل التحايل على وصفات كثيرة من الحلويات العربية بتكاليف بسيطة».
في بيروت والبقاع وصيدا وطرابلس ومختلف أنحاء لبنان، تبدو محال الحلويات في الشهر الفضيل «زحمة يا دنيا زحمة». وعلى رغم ضيق الأحوال، لا يغير اللبناني من عاداته وصوم النهار لابد أن ينتهي بـ«لمة» عائلية وإفطار وتحلية.