كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي”:
تعكس عودةُ الحركةِ الدبلوماسيةِ في اتجاه بيروت عبر زيارةِ وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك أمس المعاينةَ الخارجيةَ الحثيثةَ للواقع اللبناني الذي عاد إلى دائرة «الخطر العالي» في ضوء الإشعال المتوازي لجبهتيْ غزة والحوثيين، من إسرائيل والولايات المتحدة، و«الإشغال» المستجدّ لإيران من الرئيس دونالد ترامب بتهديداتٍ بـ «مكبّراتِ الصوت» بأنها ستكون «التالية» بحالِ أيّ هجومٍ جديد من «ذراعها» في اليمن أو إذا لم تَسِر بالطرح الذي قدّمه إليها حول ملفها النووي وملحقاته.
وفي الوقت الذي كان اتصالُ الساعتين التاريخي بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين خَصص قسماً منه للوضع في الشرق الأوسط، وسط توقُّف أوساط سياسية عند تأكيد الرجلين «أن إيران يجب ألا تكون في وضع يسمح لها بتدمير إسرائيل» وتَساؤلها هل يُبْعِد تَقارُب واشنطن وموسكو – الوسيطة مع طهران – حيال ملف أوكرانيا احتمالاتِ «الانفجار» مع الجمهورية الإسلامية أم أن ديناميةَ الملف النووي وأخواته ترتبط حَصْراً بالجواب الذي «يريده» الرئيس الأميركي من إيران، فإنّ لبنان الذي استقبل بيربوك وسمع مطالبةً متجددة بوجوب تطبيق القرار 1701 وبَسْط الدولة سلطتها على كامل أراضيها مَضى في رَصْدِ ما يجري حوله من «إعصار نار» يُخشى أن يتمدّد إليه.
وعزّز هذه الخشية الاقتناع بأن استخدامَ ترامب «زرّ» القوة الضارية في التعاطي مع الحوثيين وعودة اسرائيل إلى الحرب على غزة، هو من ضمن استراتيجيةٍ متعددة الساحة تتقاطع عند نزْعِ الأنياب التي تتيح لإيران نفوذاً عابراً للحدود، في الطريق إلى صفقةٍ معها إما تَسير بها وفق شروط ترامب (واسرائيل من خلفها) مع ما قد يترتّب على ذلك من إمكان أن «تنكشف» حتى داخلياً في ضوء صعوبة تَصَوُّر عدم حصول أي «موجات ارتدادية» لانتكاساتها المزلزلة، في غزة ولبنان وسورية وحالياً في «يمن الحوثيين»، وإما تعاندها فيكون «الحلّ القيصري».
وفي حين يبقى أفقُ جبهة الجنوب في يد اسرائيل وهل تقرّر توسيع ضرباتها التي لم تتوقف منذ اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) بحجةِ أن «حزب الله» لم يوقف محاولات إعادة بناء قدراته العسكرية ولم يسلّم سلاحه، فيتم إلحاق هذه الجبهة بحلقة النار المتجددة في غزة والجديدة بضراوتها في اليمن، فإنّ بيروت تبدو أمام مرحلة بالغة الدقة لجهة كيفية إدارتها بما لا يُعيد البلاد إلى فوهة البركان ويفرمل الآمالِ بإطلاق مسار النهوض الذي بدأ مع انتخاب الرئيس جوزف عون وتشكيل الرئيس نواف سلام حكومة العهد الأولى في تطورين شكلا أول غيث التحولات الجيو – سياسية التي أفرزتها حرب لبنان الثالثة وسقوط نظام بشار الأسد في سورية.
وفي موازاة زيارة وزيرة الخارجية الألمانية التي تعوّدت الحديث «بلا قفازات» دبلوماسية، هي التي سبق ان وصفت حزب الله ومن بيروت خلال محطتها فيها (اكتوبر الماضي) بأنه «إرهابي»، يستعدّ لبنان لاستقبال الموفد الرئاسي الفرنسي جان – إيف لودريان الثلاثاء المقبل قبل 3 أيام قليلة من زيارة الرئيس اللبناني المرتقبة لباريس.
وإذ يزور لودريان بيروت بصفته مكلّفاً ملف إعادة الإعمار حيث سيستطلع خطة لبنان في هذا الإطار، كان بارزاً أمس موقف الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون خلال استقباله العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حيال الأوضاع في سورية ولبنان، إذ شدّد على أنّ «الهيمنة الإيرانية يجب أن تزول في سورية ولبنان».
الحدود اللبنانية – السورية
في هذا الوقت، بدا أن ملف الحدود اللبنانية – السورية يأخذ طريقَه الشائك إلى المعالجة، رغم تعقيداتٍ متعددة البُعد لا تُسقِط احتمالات أن تعود المواجهات بين الجيش السوري وعشائر مدعومة من «حزب الله» في منطقة الهرمل (شرق لبنان).
وقد دخل الجيش اللبناني أمس إلى الحدود الإدارية المثبتة في الخرائط المعتمدة لدى الدولة اللبنانية في بلدة حوش السيد علي – وتحديداً الجزء اللبناني منها – التي كانت توغّلت فيها القوات السورية الأحد الماضي.
وجاء هذا التطور بعد نجاح الاتصالات بين الدولتين، وسط إجراءات مكثفة من الجيش اللبناني على الأرض وانتشاره على الحدود الشمالية – الشرقية مع سورية وإصراره على دخول الشطر اللبناني من بلدة حوش السيد علي والذي كان يُفترض أن يحصل الثلاثاء.
وأعلنت قيادة الجيش، في بيان أنه «في ظل الأحداث التي شهدتها منطقة الحدود اللبنانية السورية، وبعد التنسيق بين السلطات اللبنانية والسورية بغية الحؤول دون تدهور الأوضاع على الحدود، بدأت الوحدات العسكرية المنتشرة تنفيذ تدابير أمنية في منطقة حوش السيد علي – الهرمل، بما في ذلك تسيير دوريات، لضبط الأمن والحفاظ على الاستقرار في المنطقة الحدودية».
كما أشارت الى انه «ضمن إطار مراقبة الحدود وضبْطها في ظل الأوضاع الراهنة، والعمل على منع أعمال التسلل والتهريب، أغلقت وحدة من الجيش المعابر غير الشرعية: المطلبة في منطقة القصر – الهرمل، والفتحة والمعراوية وشحيط الحجيري في منطقة مشاريع القاع – بعلبك».
وأظهرت فيديوات جرى تداولها للحظة انتشار الجيش اللبناني في بلدة حوش السيد علي استقبالَه من بعض الأهالي المناصرين لحزب الله بهتافات تخوينية و«لبيك يا نصر الله»، في وقت أعلنت صحيفة «النهار» تعرّضت مراسلتها لينا اسماعيل لاعتداء من مجموعة أشخاص حين كانت تغطي دخول الجيش إلى البلدة حيث «تعرّض شاب لها بألفاظ نابية وأصرّ على أخذ هاتفها، لتنضمّ إليه امرأة قامت بالاعتداء الجسدي عليها ونزع هاتفها».
وقد تابع رئيس الجمهورية التطورات الأمنية عند الحدود الشمالية – الشرقية، وتلقى سلسلة اتصالات من قائد الجيش العماد رودولف هيكل أطلعه فيها على الإجراءات التي يتخذها الجيش لإعادة الهدوء والاستقرار إلى المنطقة.
وشدّد عون على «ضرورة تثبيت وقف النار ووقف الاعتداءات وضبط الحدود على القرى المتاخمة».
يُذكر أن منطقة الهرمل وامتدادها في المقلب السوري، تحوّلت وخصوصاً منذ بدء الأزمة السورية في 2011 ما يشبه «جمهورية» لحزب الله الذي أحكم السيطرة عليها في ضوء أهميتها الاستراتيجية كخطّ إمداد للسلاح من إيران، وهو ما تَرافق مع «ازدهار» عمليات التهريبِ ولا سيما في ضوء التشابك الجغرافي بين بلدات حدودية متداخلة.