عماد الشدياق نقلاً عن “القدس العربي”
أورد موقع «بوليتيكو» الأمريكي أنّ مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أجروا محادثات سرّية مع زعماء المعارضة الأوكرانية، وكذلك مع قيادات سابقة ضمن إدارة الرئيس فلولوديمير زيلينسكي. في طليعة هؤلاء القائد الأعلى الأسبق للقوات المسلحة فاليري زالوجني، ورئيس بلدية العاصمة كييف، فيتالي كليتشكو.
هذه المباحثات عاد وأكدها الرئيس الأوكراني الأسبق، وأحد قادة المعارضة بيترو بوروشينكو، وأيضاً رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشنكو، بما يزيد من ضغوطات واشنطن على كييف، التي دفعت الأخيرة للقبول بمقترح أمريكي بوقف إطلاق النار، من دون الحصول على أيّة ضمانات أمنية، كما كانت تصر حتى الأمس القريب.
وبالتالي فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل ترمي الضغوط الأمريكية، التي تشمل فتح حوار مع المعارضة، إلى التمهيد للتخلص من زيلينسكي، باعتباره عائقاً أمام خطّة السلام الأمريكية، التي تأخذ بالاعتبار الشروط الرئيسية التي يصرّ عليها الرئيس فلاديمير بوتين؟ أم أنّ الهدف خلف هذه الضغوط هو، لي ذراع زيلينسكي وإدارته لإجبارهم على تقديم التنازلات دون الغرق في تفاصيل الانتخابات؟
هذا هو السؤال المطروح في وسائل الإعلام الغربية، مع صعوبة تقديم إجابة حاسمة، حيث تحدّث عدد من الصحف الأوروبية والأمريكية عن اقتناع إدارة ترامب بوجهة النظر الروسية إزاء زيلينسكي، بوصفه شخصية غير مؤهلة لإبرام تسوية للنزاع، ولديه ميول إلى المماطلة والتسويف، من أجل جلب المزيد من المساعدات، التي غرقت في دائرة الفساد الواسعة لأركان إدارته. في حين تذهب بعض التحليلات الغربية إلى أنّ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جو بايدن هي من مدّته بـ»أوكسجين الدعم» السياسي والمالي، وأطالت من أمد الصراع، من أجل الضغط على روسيا وانحدارها من قوة عالمية شريكة في صنع القرار الى دولة منبوذة، وهو ما أثبتت مجريات الأمور فشله تماماً.
وبسقوط إدارة بايدن في هزيمة نكراء، فمن البديهي سقوط توابعه وعلى رأسها زيلينسكي، الذي لولا دعم واشنطن لانهار حكمه في الأشهر الأولى لاندلاع الصراع، خصوصاً مع فقدانه الحاضنة الشعبية، والانقسامات التي ضربت أركان إدارته بسبب خضوعه الكامل لرغبات بايدن وحزبه على حساب شعبه. بيد أنّ ثمة آراء وتحليلات غربية تعتبر أنّ إدارة ترامب، لا تريد التخلص من زيلينسكي، على الأقل في الفترة الحالية، لكنّها تمارس عليه ضغوطاً هائلة، لإجباره على توقيع اتفاقية المعادن والمضي بخطة السلام. على أن يُصار من بعدها إلى تنظيم انتخابات جديدة تعبر عن الواقع السياسي الجديد، الذي لن تكون موسكو بعيدة عنه، بل في قلبه تماماً.
تعتبر هذه الآراء أنّ عملية تسريب أخبار المباحثات مع المعارضة الأوكرانية، ومع الأشخاص الذين يعدهم زيلينسكي خصوماً له، هو عمل مقصود يصب في هذا الاتجاه. إلاّ أنّ ما لا يمكن إغفاله هو سقوط فكرة انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) تماماً، كما عبر عن ذلك أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ، في تصريحاته الأخيرة، وكذلك سقوط فكرة الضمانات الأمنية الأمريكية أو الأطلسية لكييف… وهذان الأمران يُعدّان من الشروط الأساسية التي وضعها بوتين لإبرام اتفاق ينهي الصراع في أوكرانيا.
مهما يكن الأمر، يبدو أنّ واشنطن على قناعة تامة بأنّ زيلينسكي صار عبئاً لا بد من التخلص منه، إن لم يكن اليوم فغداً، وأنّها تتشارك مع موسكو الرؤية نفسها إزاء أوكرانيا. لذلك يعمل زيلينسكي على محاولة فتح مسار جديد في العلاقة مع واشنطن عبر تقديم اعتذار إلى ترامب، تلته تنازلات، على أمل البقاء في السلطة، إلاّ أنّ سلسلة الفضائح التي تطوقه قد لا تتيح له ذلك، وآخرها فضيحة «كورسك».
فبعد قرار يتسم بالسذاجة بكسر قواعد الاشتباك والهجوم على مناطق في العمق الروسي، مرفقاً بحملة إعلامية مضخمة عن انتصارات وهمية تقوي من وضعه في مفاوضات السلام، ها هي القوات الأوكرانية محاصرة بالكامل في «كورسك»، إلى درجة دفعت الرئيس الأمريكي للاتصال بنظيره الروسي فلاديمير بوتين والطلب منه الرأفة بالقوات المحاصرة وقبول استسلامها. فرد الأخير بإيجابية واعداً بضمان حياة الجنود مقابل إلقاء أسلحتهم. الأمر الذي يزيد من حراجة وضع زيلينسكي أمام الناخبين الأوكران بعدما رمى قواته في مهمة انتحارية لم تجلب سوى المزيد من المعاناة إلى بلده الممزّق، من دون تحقيق أيّ انتصار عسكري أو سياسي يمكن توظيفه في المفاوضات.