عماد الشدياق نقلاً عن “إيلاف”
أظهر استطلاع للرأي أجراه “معهد كييف الدولي لعلم الاجتماع” نهاية العام 2023، انخفاضاً في ثقة الأوكرانيين بمؤسسات السلطة كافة، كما بيّن الاستطلاع أنّ ثقة مواطني البلاد في الرئيس فلاديمير زيلينسكي انخفضت خلال العام المذكور بنسبة كبيرة وصلت إلى حدود 70 بالمئة، بينما تراجعت ثقة الأوكرانيين في الحكومة بنسبة 26 بالمئة والبرلمان بنسبة 15 بالمئة.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحدّ، بل تعداه ليطال أيضاً ثقة الأوكرانيين بالشرطة التي انخفضت من 58 بالمئة إلى 41 بالمئة، بينما ظلّ مستوى الثقة في مؤسسات العدل منخفضاً، كالعادة، إذ أظهرت الأرقام أنّ 12 بالمئة من الأوكرانيين فقط يثقون بالمحاكم، و9 بالمئة منهم يثقون بالنيابة العامة.
وكان لافتاً أيضاً أنّ ثقة المواطنين الأوكرانيين في وسائل إعلام أوكرانية انخفضت هي الأخرى، بشكل ملحوظ من 57 بالمئة إلى 29 بالمئة!
ويبدو أنّ هذه الأرقام كانت نتيجة الهجوم المضاد الفاشل الذي أعلنت عنه القيادة الأوكرانية بداية الصيف الفائت، والذي تسبب أيضاً بتراجع المساعدات الغربية للجيش وتخبّط داخل الحكومات والبرلمانات الغربية من أجل الاستمرار بتقديم ما تيسّر من الدعم للأوكرانيين لهجوم لم يحرز أي تقدّم على مدى 9 أشهر.
كما كانت تلك الأرقام نتيجة فضائح الفساد في أجهزة الدولة والجيش وكذلك فضائح نهب المساعدات التي تسببت باستياء عامّ لدى الأوكرانيين.
الأوروبيون على النهج نفسه
ولم يقتصر التململ على الأوكرانيين وحدهم، فقد أظهرت دراسة استقصائية بين السكان الأوروبيين، أنّ 60 بالمئة من المواطنين الألمان والنمساويين “على استعداد لدعم التنازلات الأوكرانية عن الأراضي التي ضمّتها روسيا مقابل السلام”، بينما وافق 42 بالمئة من مستَطلعين بولنديين على السؤال نفسه.
ومن بين سائر المستطلعين في القارة الأوروبية، فإنّ 22 بالمئة فقط يعتقدون أنّ أوكرانيا ستفوز بهذه الحرب، كما يميل عدد كبير منهم للاعتقاد بأنّ أوروبا تقترب من “أزمة إنسانية ضخمة” و”أزمة الهجرة”، بينما عارض “بشدة” العديد من المواطنين الأوروبيين المستَطلعين استمرار تقديم الدعم لأوكرانيا.
زيلينسكي: مصالح واشنطن قبل أوكرانيا
ويعاني الجيش الأوكراني أزمة عميقة، دفعت به إلى التراجع في كثير من مناطق المواجهات مع الجيش الروسي، كما تتناول صفحات الحرب على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد مرعبة عن حجم الضحايا في صفوف الجيش الأوكراني، وتظهر استسلامات جماعية موثّقة بمشاهد الفيديو.
وقد ذكّرت تلك الوقائع والمشاهدات بأمرين:
- إصرار زيلينسكي على إقالة قائد الجيش الأوكراني فاليري زالوجني منذ بداية العام، حيث انتهى الأمر بالرئيس الأوكراني إلى استبدال زالوجني بقائد القوات البرية أولكسندر سيرسكي، وذلك بعد خلافات بين الرجلين خرجت إلى العلن في الآونة الأخيرة واستدعت تدخلات غربية لوضع حدّ للخلافات. لكنّ زيلينسكي أصرّ على إقالته.
زالوجني كان قد أكد في أكثر من محطة، أنّ استمرار الحرب ضد الجيش الروسي لن تحقّق الأهداف المرجوة، وستتسبّب بمزيد من الخسائر في صفوف الجيش.
ويبدو أنّ هذه التصريحات تقاطعت مع رغبة زيلينسكي في التخلّص من منافس سياسي محتمل، وكذلك مع الطموحات الغربية (وتحديداً الأميركية) إلى الاستمرار في القتال… حتى آخر جندي أوكراني.
- نقص عدد الأفراد لدى الجيش الأوكراني والهروب من التجنيد الإجباري، وإحجام السكان الأوكرانيين المحليين عن القتال من أجل ما بدأوا يعتبرونه “مصالح غربية”.
فقبل أسابيع نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية مقالاً، عنوانه: “انخفاض المعنويات ونقص العناصر: الأوكرانيون يرفضون التجنيد في فصل الشتاء”، تحدثت فيه الصحيفة عن خسائر الجيش الأوكراني ومشاكله، وعدم استعداد الأوكرانيين في تقديم أرواحهم سداً في معارك لا أفق لها. فيما تتناقض هذه المعلومات مع تصريحات زيلينسكي الذي أكد في أكثر من مناسبة، أنّ قوائم الانتظار للالتحاق بالقوات المسلحة تفيض بأسماء الراغبين بالذهاب إلى الجبهات.
وهذا يؤكد أنّ السياسات غير الكفؤة التي تنتهجها سلطات كييف، يضاف إليه التدخل المدمر للولايات المتحدة وحلفائها، قاد إلى هذا الانهيار القوي الذي بدأ يظهر بشكل واضح، ولا يبدو أنّ ثمة رجعة فيه، إن كان على الجبهات أو في اللاوعي الجماعي لدى أفراد المجتمع الأوكراني… وهو، أي الانهيار، آيل إلى التوسّع أكثر فأكثر مع مرور الوقت.