كتب منير الربيع في “المدن”:
لم يتوقف تحرك سفراء الدول الخمس المعنية بلبنان عند حدود زيارتهم الى الرئيس نبيه بري الأسبوع الفائت. يمكن وصف الزيارة بأنها كانت تأسيسية للمرحلة المقبلة، وفي سبيل إعادة وضع الإستحقاق الرئاسي على السكة التفاوضية للوصول الى حلّ. صحيح أن السفراء شددوا على ضرورة فصل الملف الرئاسي عن تطورات الوضع في الجنوب، لكن عملياً لا يبدو هذا الطرح واقعياً، إلا أن مسألة فصله تُطرح من الناحية الرمزية كي لا يكون الإستحقاق خاضعاً لمسألة المقايضة.
حرّك اللقاء مياهاً راكدة، بدءاً من تشديد رئيس مجلس النواب على مسألة الحوار بين الكتل أو النقاشات الثنائية والثلاثية، وصولاً إلى اقتراح يتصل بأن تعمل كل كتلة نيابية على تسمية ممثل لها للمشاركة في المشاورات التي يفترض أن تجري في المجلس النيابي حول المواصفات والمعايير التي يفترض على اساسها انتخاب الرئيس.
نحو مرشح ثالث
عملياً، يريد السفراء الإنتقال الى المرشح الثالث، للذهاب نحو انتخاب رئيس لا يشكل غلبة لطرف على آخر. في المقابل، يعتبر رئيس المجلس أنه حصل من السفراء على موقف واضح بأن لا فيتو على أي مرشح، وهو بذلك يعتبر أنه قد حمى مرشحه سليمان فرنجية. في السياق نفسه، تتجدد السجالات والنقاشات حول تمسك الثنائي الشيعي بدعم ترشيح فرنجية، على قاعدة أنه يلتزم بالطائف ويمثل الضمانات اللازمة التي يريدونها خصوصاً في ظل التطورات التي يشهدها لبنان في الجنوب وفي ظل كل الإقتراحات الدولية المطروحة لتطبيق القرار 1701 وتسوية الوضع الحدودي، وبالتالي فإن حزب الله يريد رئيساً يثق به. في المقابل، يتمسك المعارضون لفرنجية بمواقف واضحة لاعتراضهم عليه، وخصوصاً مسيحياً، من خلال التقاء التيار الوطني الحرّ مع القوات اللبنانية ومع حزب الكتائب على معارضة فرنجية، وهذه نقطة ضعف أساسية لا تزال موجودة لدى الرجل.
عون: الحظوظ والصعوبات
من جملة النقاشات حول المرشح الثالث، هناك من يعيد طرح ترشيح جهاد ازعور واعتباره ترشيحاً قائماً، وذلك ليكون هو المرشح المواجه لفرنجية، وبالتالي يدخل المرشحان الى معادلة صفرية بينهما لحظة الذهاب الى البحث عن مرشح جديد. اعادة التذكير بترشيح أزعور غايتها عدم جعل قائد الجيش جوزاف عون هو المرشح الثاني الذي يواجه فرنجية فلا يتم استبعاده، خصوصاً أن محاولات لتصويره بأنه مرشح ثان لا ثالث جرت بعد جلسة التمديد له ومقاطعتها من قبل التيار الوطني الحرّ وحزب الله. في هذا الإطار لا يزال ترشيح قائد الجيش حاضراً بقوة وهناك من يعتبر أن حظوظه لا تزال هي الأفضل، ولكن ايضاً هناك وجهة نظرة مناقضة لذلك تعتبر أن اعتراض الثنائي الشيعي لا يزال قائماً على قائد الجيش بالإضافة الى اعتراض باسيل وبالتالي، فإن حزب الله الذي ذهب الى جانب ميشال عون سابقاً معارضاً لتوجه نبيه بري، ذهب حالياً الى خياره وخيار بري معاً في دعم فرنجية حالياً وسط اعتراض باسيل، ولكن لا يمكن للحزب الذهاب الى خيار يلتقي على معارضته كل من باسيل وبري. وجهة النظر هذه تشير الى صعوبة الإتفاق على قائد الجيش.
أما في المقابل، هناك من يعتبر أن الحزب سيكون أمام لحظة مفصلية وسيبدي فيها استعداداً للتنازل خصوصاً أنه يريد رئيساً قادراً على مواكبة تطورات الوضع في الجنوب، وتحمّل مسؤولية وأكلاف تطبيق القرار 1701 فلن يكون من مصلحته أن يكون الرئيس محسوباً عليه بشكل كامل، ووفق هذه القاعدة يمكن للحزب وبناءً على تفاهم واسع أن يذهب باتجاه الموافقة على انتخاب عون.
لقاءات خارجية مكثّفة
وسط كل هذه السجالات والتقييمات الداخلية، سجل أكثر من حدث خارجي. أولاً، زيارة وائل أبو فاعور وملحم الرياشي الى المملكة العربية السعودية ولقائهما بالمستشار المسؤول عن الملف اللبناني نزار العلولا. وقد هدفت اللقاءات إلى تكوين تصور واضح حول المرحلة المقبلة، والتشاور في آخر التطورات.
ثانياً، تتحدث مصادر مطلعة عن اجتماع سعودي أميركي عقد في الرياض، وآخر أميركي قطري عقد في الدوحة للبحث في الملف اللبناني على أن تظهر نتائجه لاحقاً في إطار التحضير لانعقاد إجتماع خماسي من المرجح أن يكون في السعودية الأسبوع المقبل. ويرتبط ذلك بامكانية الوصول الى اتفاق على صيغة واضحة لبيان يفترض أن يصدر عن هذا الإجتماع ويشير الى المواصفات والمعايير الواجب اتباعها، وفي محاولة لتحييد مسار رئاسة الجمهورية عن مسار الجنوب بخلاف ما يفكر فيه البعض الآخر في لبنان حول أن التسوية الرئاسية ستكون مبنية على أساس تسوية الوضع في الجنوب وبناء على تقاطعات إيرانية أميركية، ومع حزب الله أيضاً. وهناك اصرار على ان تكون الدول العربية حاضرة ومشاركة، لا سيما السعودية وقطر، وربما في هذا الإطار يندرج التواصل المستمر بين السفير السعودي وليد البخاري والسفير الإيراني مجتبى أماني والذي سيسجل تطوراً الأسبوع المقبل بزيارة يجريها البخاري الى السفارة الإيرانية.
عذراً التعليقات مغلقة