عماد الشدياق نقلاً عن “القدس العربي”
تطمح الدول الغربية، على رأسها الولايات المتحدة، بأن تستمرّ الحرب في أوكرانيا خمس سنوات إضافية. تلك هي الخلاصة التي يخرج بها أيّ مراقب حينما يقرأ تصريحات المسؤولين الأوروبيين والأمريكيين، أو يتابع ما سُرّب عن رئاسة حلف شمالي الأطلسي (الناتو) قبل أيام، فيستنتج سريعاً أنّ جلّ ما يهتمّ به الغرب وقيادة الحلف، هو استمرار المعارك حتى آخر جندي أوكراني في البلاد، على الرغم من اقتناعهم الضمني بأنّ كييف عاجزة عن تحقيق أي إنجاز عسكري منفردة.
معلومات وتصريحات غربية عدّة خرجت إلى العلن في الأيام القليلة الماضية، تؤكد هذه الخلاصة:
هنغاريا تتحفّظ على استمرار الدعم
قبل أيام، كشف وزير خارجية هنغاريا بيتر سيارتو، أنّ دول «الناتو» تلقت اقتراحاً مقدماً من الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، يدعو فيه إلى تشكيل صندوق جديد لمساعدة أوكرانيا، قيمته 100 مليار دولار، وذلك على مدى السنوات الخمس المقبلة.
سيارتو أشار إلى أنّ بلاده سوف ترفض هذا المقترح، وسوف تكافح حتى لا تشارك في ما اعتبرته بلاده «جنوناً». وقال كذلك إنّ «الناتو يرغب الآن في ضخّ 100 مليار دولار جديدة في هذه الحرب. الأمين العام للحلف قام بتقديم هذا اقتراح بالقراءة الأولى إلى الدول الأعضاء… وهذا يعني أنّ الحلف يأمل بأنّ تتواصل الحرب لخمس سنوات إضافية، ونحن نعلم المخاطر التي سوف يجلبها ذلك».
كما شدد الوزير الهنغاري على أنّ بلاده ستكافح خلال المفاوضات، كي تُبعد نفسها عن هذا الجنون، مشيراً إلى أنّ مثل هذه الخطط، هي «تجاوز خطوط حمر سبق أن رسمها الحلف لنفسه».
البيت الأبيض متصالح مع نفسه
في مقابل الرفض الهنغاري لخطط «الناتو» يبدو أنّ البيت الأبيض أكثر تصالحاً مع الذات تجاه معضلة الحرب في أوكرانيا، فقد أكد مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان، أنّ المساعدات الأمريكية لن تغير الوضع في أوكرانيا في المستقبل القريب، متوقعاً نجاح الجيش الروسي في التقدم أكثر في عمق الأراضي الأوكرانية، وذلك حسبما نقلت عنه صحيفة «فاينانشال تايمز» الأمريكية قبل أيام.
سوليفان قال إنّ لا ضرورة لتشنّ كييف «هجوماً مضاداً» جديداً قبل عام 2025، لأنّ ذلك سيعتمد إلى حدّ كبير، على موافقة الكونغرس والبيت الأبيض على إرسال حزم مساعدات جديدة، إضافة إلى تلك التي أقرها البيت الأبيض قبل أيام والبالغة 61 مليار دولار، كاشفاً أنّ المساعدات التي تلقتها كييف مؤخراً «ستساعدها على تثبيت نقاطها على الجبهة وستمهد الطريق أمام أعمال قتالية مقبلة». هذا يعني أنّ أي هجوم إضافي لن يبدأ قبل العام المقبل، وربّما يستمر لسنوات إضافية!
«الجنون» الأوروبي متواصل… بأفق مسدود؟
أمّا رئيس الدبلوماسية في الاتحاد الأوروبي، فأعلن يوم الجمعة الفائت أنّ الصراع في أوكرانيا «سينتهي خلال أسبوعين، في حال توقّفت إمدادات الأسلحة الغربية إلى كييف»… وهو ما اعتبرته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، «اعترافا كبيرا» يختزل «الصيغة الكاملة للسلام».
هذا التشكيك بقدرة أوكرانيا على الانتصار أو حتى على الصمود في مواجهة روسيا، لم يردع الدول الغربية على تسليح كييف بلا طائل أو التفكير بأساليب مغايرة من أجل حلّ الأزمة الأوكرانية. بل على العكس من ذلك، فإنّ التسليح والتعبئة يتواصلان بلا هوادة.
فقد كشفت معلومات شديدة الاطلاع، أنّ الأراضي التشيكية باتت مؤخراً مخزناً كبيراً للأسلحة المتوجهة إلى أوكرانيا، خصوصاً تلك التي تشتريها دول عدّة تدور في فلك الولايات المتحدة، لصالح أوكرانيا.
المعلومات تفيد بأنّ مجموعة كبيرة من تلك الأسلحة تتركز حالياً في مستودعات قرب العاصمة براغ، وهي مقبلة من أذربيجان وبلغاريا على وجه الخصوص، وأنّ ذلك يتمّ بتسهيلات من القطاع المصرفي البريطاني.
بل أكثر من ذلك، فإنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصرّ على إقحام بلاده في تلك الحرب أكثر وأكثر، محاولاً من خلال ذلك على ما يبدو، الإيفاء بما وعد به العالم قبل مدة، تحديداً يوم دعا إلى إرسال قوات أوروبية إلى الأراضي الأوكرانية، وألمح إلى إمكان إرساب جنود فرنسيين ولو بشكل منفرد.
فقد كشف المساعد الأسبق لنائب وزير الدفاع الأمريكي ستيفن برايان، في تقرير نُشر في موقع موقع «آسيا تايمز» قبل أيام، أنّ باريس أرسلت جنوداً من فيلقها الأجنبي إلى أوكرانيا من أجل الانتشار هناك.
وذكر التقرير أنّ نشر هؤلاء الجنود هدفه «دعم اللواء الميكانيكي رقم 54 في القوات الأوكرانية في منطقة سلافيانسك» وقد تم اختيارهم من فوج المشاة الفرنسي الثالث، وهي إحدى الوحدات الرئيسية في الفيلق الأجنبي.
كما اعتبر التقرير أنّ المجموعة الأولى من العسكريين الفرنسيين قد تم إرسالها بالفعل «للمشاركة في معارك ضد الوحدات الروسية في إقليم دونباس».
أمّا برايان فاستبعد أن تتسامح موسكو لفترة طويلة مع زيادة عدد القوات الفرنسية في أوكرانيا، وحتى لو كان هؤلاء الجنود من الفيلق الفرنسي الأجنبي… إلاّ أنّ ردّ الفعل الروسي على هذا التطوّر الجديد ما زال غير معروف حتى اللحظة.
تزامناً مع هذه التصريحات، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يعلن أنّ المساعدات الأمريكية الجديدة لأوكرانيا ستكون «استثمارات» في الولايات المتحدة، كاشفاً أن كل تلك الاستثمارات تقريباً «لا تزال في الولايات المتحدة، أي في قاعدتنا الصناعية، إنّها توفر وظائف جيدة في الولايات المتحدة».
إذاً، هذا كلّه يشي بأنّ الحرب في أوكرانيا مستمرة، وأنّ التعنّت الغربي لناحية استمرار الحرب حتى لو كان ذلك على حساب السلام والنمو الاقتصادي العالمي… كيف لا والولايات المتحدة تعتبر تمويل تلك الحرب فرصة استثمارية داخلية؟