كتب سعد الياس في “القدس العربي”:
تتركز الأنظار على جولة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان السادسة في بيروت اعتباراً من يوم الثلثاء المقبل لاستكشاف ما يمكن أن تحمله هذه الجولة من مستجدات على صعيد تحريك الملف الرئاسي في ضوء غموض النتائج نتيجة تمترس الأطراف السياسية بمواقفها وعدم قبول حزب الله بفصل الوضع اللبناني عن حرب غزة مراهناً على مكاسب في الميدان يستثمرها في رئاسة الجمهورية.
وتأتي جولة لودريان بعد اجتماع هام لسفراء اللجنة الخماسية الممثلة للولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية وقطر ومصر في 15 أيار الحالي خرج ببيان أكد أنه «لا يمكن للبنان الانتظار شهراً آخر، بل يحتاج ويستحق رئيساً يوحد البلد ويعطي الأولوية لرفاهية مواطنيه» داعياً «إلى مشاورات، محدودة النطاق والمدة، بين الكتل السياسية ضرورية لإنهاء الجمود السياسي الحالي» ومشدداً على «أن هذه المشاورات يجب أن تهدف فقط إلى تحديد مرشح متفق عليه على نطاق واسع، أو قائمة قصيرة من المرشحين للرئاسة، وفور اختتام هذه المشاورات، يذهب النواب إلى جلسة انتخابية مفتوحة في البرلمان، مع جولات متعددة حتى انتخاب رئيس جديد».
كما تأتي جولة لودريان بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي تطرّق إلى الملف الرئاسي اللبناني قبل وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى فرنسا في 6 حزيران المقبل حيث سيكون لبنان على طاولة المحادثات لجهة منع التصعيد في الجنوب وضرورة حسم الاستحقاق الرئاسي وسط استهجان فرنسي لتحفظات الثنائي الشيعي على الورقة الفرنسية وعلى استمرار حزب الله في ربط مصير لبنان بانتهاء حرب غزة الأمر الذي يضع لبنان في دائرة الخطر بسبب القلق مما يمكن أن تقدم عليه إسرائيل على الجبهة الشمالية لإبعاد حزب الله عن الحدود. من هنا تستعجل باريس ودول اللجنة الخماسية إنجاز الانتخابات الرئاسية في شهر حزيران0، وجاء الاتصال بين الرئيس ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تعبيراً عن تعويل فرنسا على الدور السعودي للدفع في اتجاه انتخاب رئيس في أقرب وقت يوحّد البلد ويضمن وجود لبنان على طاولة المناقشات الإقليمية لدى إبرام أي اتفاق بشأن حدود لبنان الجنوبية.
وإذا كانت جولة الموفد الفرنسي ستشمل معظم القيادات اللبنانية إلا أن الأساس فيها سيكون مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع و«تكتل الاعتدال الوطني» تحضيراً لأرضية التشاور التي تقود إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية وآلية الدعوة ومن سيرأس هذه المشاورات المحدودة النطاق والمدة.
واللافت عشية قدوم لودريان أن الرئيس بري جدد التأكيد «أن الحوار أو التشاور هو المعبر الالزامي والوحيد لانتخاب رئيس الجمهورية» موضحاً «لست انا من سيدعو إلى الحوار، بل ان الدعوات ستتولاها الأمانة العامة لمجلس النواب. وفي حال انعقد الحوار فمن الطبيعي جداً أن أترأسه».
ومن شأن هذا الموقف أن يخلق إشكالية مع القوات اللبنانية التي ترفض تكريس أعراف لا ينص عليها الدستور وتستهجن اعتبار طاولة الحوار معبراً الزامياً لانتخاب رئيس، وكأنها من المبادئ الوطنية الأساسية الواردة في مقدمة الدستور اللبناني، وتسأل القوات «بأي حق ومنطق يفرض البعض على اللبنانيين آلية لانتخاب رئيس الجمهورية غير موجودة في الدستور، وغير متفاهم عليها، ولا ندري كيف يسمح بعضهم هذا لنفسه بأن يتعامل مع موقع الرئاسة الأولى وكأنه الوصي على انتخاب رئيس الجمهورية، كما لا ندري ما إذا كان فائض القوة أو فائض الاستخفاف يسمح لبعضهم هذا بتعطيل الانتخابات الرئاسية ويسمح لنفسه بفرض آلية لانتخاب رئيس غير موجودة في الدستور ومرفوضة من المسيحيين». وتخلص «أن محاولة وضع وصاية على رئاسة الجمهورية مرفوضة جملة وتفصيلاً، ولمن يردد أن طاولة الحوار هي المعبر الإلزامي لانتخاب رئيس، نقول له: لا تتعب نفسك، ولا ترهق عقلك، ولا تضيِّع وقتك، فهذه الجملة لن تمرّ لا في الحاضر ولا في المستقبل».
ووسط التباعد في النظرة إلى الحوار بين بري والقوات اللبنانية، تكشف مصادر «تكتل الاعتدال» عن مساع لتقريب وجهات النظر أفضت إلى مرونة لدى كل من رئيس المجلس والقوات التي لن تعطل التشاور. وقالت المصادر «في الشكل علينا أن نحفظ مكانة الرئيس بري وتمثيله ورئاسته للمجلس وللسن، وقد دعا إلى عدم تهميش أي مؤسسة وخصوصاً المجلس النيابي ويعتبر نفسه رئيساً لكتلة نيابية إسوة بغيره ومن حقه الجلوس على الطاولة». وتضيف المصادر «الرئيس بري قال في آخر اجتماع مع «الاعتدال» إذا كنت مديراً للجلسة سأكون حكَماً ولن أتبنى مرشحاً بل من سيتحدث هو ممثل «حركة أمل». وهناك اقتراح أن تتم الدعوة من قبل «تكتل الاعتدال» وليس من قبل الأمانة العامة للمجلس، وأن يفتتح الرئيس بري الجلسة أو أن يأتي عند التوصيات وأن نكرر ما حصل من تشاور لدى التمديد لقائد الجيش أو لدى التوافق على توصية بشأن النزوح السوري».
وتعبيراً عن إيجابية الرئيس بري تفيد مصادر «الاعتدال» «أن الرئيس بري كان دعا إلى حوار لمدة 7 أيام ولكنه اختصره أخيراً بيوم واحد وكان سيدعو كل فترة إلى جلسة انتخابية فيما بات الآن يتحدث عن جلسات يومية متتالية بأربع أو خمس دورات بحيث إذا لم يتم الانتخاب في اليوم الأول يختتم الجلسة ويفتح جلسة في اليوم التالي على مدى 4 أيام، وقد حاولنا أخذ التزام أدبي بتوفير النصاب القانوني المحدد بـ 86 نائباً حتى تصاعد الدخان الأبيض على أن ندخل إلى الجلسة باسم أو إثنين أو ثلاثة كما اقترحنا نحن وكما اقترحت اللجنة الخماسية، ومن ينال أكثرية الأصوات يفوز وإذا نال مرشح أصواتاً أقل يمكنه التنازل لمن نال أصواتاً أكثر».
ولكن هل يُكتفى بإيجابية بري والقوات ليتم الاستحقاق الرئاسي؟ وماذا عن موقف حزب الله وهل يمكن أن يقتدي بحرص المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي الخامنئي على تكليف نائب الرئيس القيام بمسؤوليات الرئيس إبراهيم رئيسي وعدم ترك فراغ رئاسي في إيران ولو ليوم واحد أم يستمر في تعطيل جلسات الانتخاب والتمسك بمرشحه؟
حسب المعطيات ما زال يعتبر حزب الله أنه في حالة حرب ويتخوف من أي استهداف ولذلك يطالب برئيس لا يطعن المقاومة في الظهر، ويؤيد الاحتكام إلى الحوار من دون شروط مسبقة. وهذا هو الموقف ذاته الذي يعبّر عنه منذ أشهر والذي يستصعب الرئيس بري السير عكسه، مع الأمل ألا تكون الخلاصة «اسمع عن انتخاب محتمل لرئيس في حزيران تفرح، جرّب تحزن».
عذراً التعليقات مغلقة