كتب منير الربيع في “المدن”: تتكرّر عبارة استعادة سيناريو الحرب الإسرائيلية على غزّة في لبنان. هي المشاهد نفسها والارتكابات نفسها يكررها الإسرائيليون: ضرب البنى التحتية، المجازر في صفوف المدنيين، ضرب المدن الكبرى وتدمير كل المؤسسات، كما يحصل في الجنوب والنبطية تحديداً. وهي مشاهد يمكن أن تحصل في أي منطقة أخرى، طالما أن لا أحد قادراً على لجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يقول إنه يريد ضرب أهداف حزب الله على كل الجغرافيا اللبنانية. ووفق هذا المنطق، من غير المعروف إلى أين يمكن أن تصل الغارات والاستهدافات، وإذا كانت ستطال المزيد من المنشآت المدنية والرسمية والمرافق الأساسية. الأهداف الإسرائيلية المعلنة في الموازاة، أهداف كثيرة يعلنها الإسرائيليون لحربهم، أولها إعادة سكان المستوطنات الشمالية. ثانيها، إنشاء حزام أمني لبضعة كيلومترات. ثالثها، تفكيك قدرات حزب الله العسكرية. رابعها تغيير الوقائع العسكرية والسياسية في لبنان ومنطقة الشرق الأوسط. لا معلومات دقيقة حول الهدف البرّي الإسرائيلي من العملية، وإلى أين يفكر الإسرائيليون في الوصول. كذلك، لا معلومات إذا كان ضرب حزب الله في لبنان هو تمهيد لضرب إيران لاحقاً، ومنع الحليف الرئيسي لها في المنطقة من الانخراط المباشر بمعركة كاسرة لكل التوازنات. لذلك، تسعى إسرائيل إلى تفكيك كل البنية العسكرية لحزب الله، علماً أن الحزب قد أظهر في الأيام الماضية قدرات عسكرية جديدة، ولا يزال يمتلك المزيد من الأسلحة التي لم يستخدمها. عمليات مشابهة لـ”مصياف” ولكن التطورات التي حملتها الأيام الماضية هو إطلاق صواريخ بالستية من البقاع باتجاه تل أبيب، وذلك بعدما كان الأمين العام للحزب الشهيد حسن نصرالله قد أعلن عن إطلاق مسيّرات من البقاع باتجاه مواقع إسرائيلية. من شأن ذلك أن يفتح معارك جديدة على جغرافيا واسعة، خصوصاً أن الكثير من المواقع والأنفاق في البقاع لا يمكن للطيران أن يطالها أو يحقق إصابات تؤدي إلى تدميرها، ما يفترض أن ينقل المعركة إلى مستوى آخر. يمكن لهذا المستوى أن يكون مشابهاً لعملية مصياف في سوريا، والتي نفذ الإسرائيليون فيها عملية إنزال للدخول إلى منشأة عسكرية لحزب الله والإيرانيين، وعملوا على تفخيخها وتفجيرها من الداخل، وذلك بسبب صعوبة تدميرها بغارة جوية. مع عملية مصياف تكوّنت قناعة لدى حزب الله أن الإسرائيليين يستعدون لفتح الحرب على لبنان بشكل جدّي، وأن عمليات مشابهة يمكن أن تحصل. فاستعد الحزب لمثل هذه السيناريوهات بقوة، وما بعد التدمير الممنهج الذي يقوم به الإسرائيليون، بالإضافة إلى التركيز على الدخول إلى الأنفاق وتصويرها، بما يحاكي تكراراً لمشاهد في غزة، فإن كل العمليات الجوية العنيفة والتدميرية، هدفها إحداث دمار هائل عبر اعتماد سياسة الأرض المحروقة، تمهيداً لتسهيل عمليات التوغل والدخول. ويرجح أن تحصل عمليات شبيهة بعملية مصياف في مناطق عديدة في لبنان إذا تمكّن الإسرائيليون من ذلك، خصوصاً أنهم يضعون نصب أعينهم الصواريخ الدقيقة والبالستية وتفكيكها، بالإضافة إلى المسيّرات وأماكن تطويرها، ومن دون إغفال الصواريخ الموجهة المضادة للدروع والقصيرة المدى، والتي لا يمكن للقبة الحديدية ومنظومات الدفاع الإسرائيلية من التصدي لها وإسقاطها. قطع الإمداد هدف إسرائيلي آخر، وهو قطع طرق الإمداد لحزب الله من سوريا إلى لبنان، إما من خلال عمليات القصف، أو من خلال فصل الجغرافيا اللبنانية عن السورية، والسيطرة على نقاط أساسية ومرتفعات يتمكن الإسرائيليون من خلالها من السيطرة النارية على الكثير من الطرق الأساسية. في محاكاة مماثلة لمحاولات فرض وقائع عسكرية في الجنوب من خلال التوغل البرّي. إذ يهدف الإسرائيليون جنوباً، في العمليات التي يخوضونها حالياً، السيطرة على تلال مرتفعة مثل تلة العويضة وبلدة محيبيب، وذلك لكشف الكثير من الطرق والوديان التي تعتبر ممرات أو مرتكزات استراتيجية للحزب ولا سيما وادي الحجير. الأمر نفسه يريدون تكراره على الحدود الفاصلة ما بين لبنان وسوريا، بالإضافة إلى استكمال إطباق الحصار. محاولات الإطباق في هذا السياق، تندرج التحركات الإسرائيلية في القنيطرة والجنوب السوري من الجهة الغربية المحاذية للبنان. يتم هناك تفكيك ألغام، ورفع سواتر وتجريف وتوغل للقوات البريّة، ربما للدخول نحو بعض المناطق اللبنانية، كالاتجاه نحو بيت جن المقابلة لبلدة شبعا. وبذلك، يكون الإسرائيليون قد عززوا توغلهم البرّي من جهة القطاع الشرقي، كما يمكن أن يتوغلوا أكثر في العمق السوري باتجاه البقاع الغربي أيضاً، لإحكام الطوق على الحزب، طالما أن الهجوم البرّي المواجه من القطاعات الغربي، الأوسط والشرقي مستمر، بالإضافة إلى إدخال البوارج البحرية في المعركة لإطباق الحصار أيضاً من جهة الغرب، وللكشف على الكثير من الممرات والطرق الآمنة لحزب الله. تنظر إسرائيل إلى الجنوب السوري باعتباره خاصرة رخوة، وهي قادرة على التحرك فيها بشكل يسير، طالما أنهم نجحوا في تحييد النظام السوري عن معادلة وحدة الجبهات وعدم الانخراط في هذه الحرب. وتشير بعض المعلومات إلى أنه قبيل التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، انسحبت القوات الروسية من مواقع متعددة، كالانسحاب من تل الحارة في ريف درعا الشمالي، وهي نقطة مطلّة على الجولان. وتتضارب التقديرات حول أسباب الانسحاب الروسي بين من يعتبر أنه بناء على التنسيق مع الإسرائيليين لعدم حصول صدام، فيما آخرون اعتبروا أن الانسحاب هو بسبب استعداد إيران وحلفائها لتفعيل عملياتهم ضد القوات الإسرائيلية انطلاقاً من جنوب سوريا.
عذراً التعليقات مغلقة